بمحذوف ، إلّا أنه في الأوّل أحد جزئي الكلام ، وفي الثّاني فضلة.
«مبين» اسم فاعل من «أبان» [لازما](١) بمعنى ظهر ، ويجوز أن يكون من المتعدّي ، والمفعول محذوف ، أي : مبين كفركم بخالقكم ، وعلى هذا فقول ابن عطية ليس بالفعل المتعدّي المنقول من بان يبين غير مسلم ، وجعل الضلال ظرفا محيطا بهم مبالغة في اتّصافهم به ، فهو أبلغ من قوله : «أراكم ضالّين».
فصل في اختلاف المفسرين حول «آزر»
قال محمد بن إسحاق ، والضحاك ، والكلبي (٢) : آزر اسم أبي إبراهيم عليهالسلام وهو تارح أيضا مثل إسرائيل ويعقوب ، وكان من «كوثى» (٣) قرية من سواد «الكوفة» وقال مقاتل بن حيان وغيره (٤) : آزر لقب لأبي إبراهيم واسمه تارح.
وقال سليمان التيمي (٥) هو سبّ وعيب ، ومعناه في كلامهم المعوج.
وقيل : معناه الشيخ الهرم بالخوارزمية والفارسية أيضا (٦) وهذان الوجهان مبنيان على من يقول : إن في القرآن ألفاظا قليلة غير عربية.
وقال سعيد بن المسيب ، ومجاهد : آزر صنم ، وإنما سمي والد إبراهيم به لوجهين (٧) :
أحدهما : أنه جعل نفسه مختصا بعبادته ، ومن بالغ في محبّة أحد ، فقد يجعل اسم المحبوب اسما للمحب ؛ قال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١].
الثاني : أن يكون المراد عابد آزر ، فحذف المضاف ، وأضيف المضاف إليه مقامه.
وقيل : إن والد إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان اسمه تارح ، وكان آزر عمّا له ، والعم قد يطلق عليه لفظ الأب ، كما حكى الله تعالى عن أولاد يعقوب : (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [البقرة : ١٣٣].
ومعلوم أن إسماعيل كان عمّا ليعقوب ، وقال عليه الصلاة والسلام «ردّوا عليّ أبي العبّاس» فكذا هاهنا.
قال ابن الخطيب (٨) : وهذه التّكاليف إنما يجب المصير إليها إذا دلّ دليل قاهر على أن والد إبراهيم ما كان اسمه آزر ، وهذا الدليل لم يوجد ألبتة ، فأي حاجة تحملنا على هذه التأويلات؟ ومما يدلّ على صحّة ما قلنا أن اليهود والنصارى والمشركين كانوا في غاية الحرص على تكذيب الرسول وإظهار النسب.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٦.
(٣) ينظر : البغوي ٢ / ١٠٨.
(٤) ينظر : البغوي ٢ / ١٠٨.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) ينظر : المصدر السابق والفخر الرازي ١٣ / ٣٢.
(٧) ينظر : الرازي ١٣ / ٣٢.
(٨) ينظر : المصدر السابق.