فصل في دحض شبهة للشيعة
قالت الشيعة : إن أحدا من آباء الرسول وأجداده ما كان كافرا ، وأنكروا كون والد إبراهيم كافرا ، وقالوا : إن آزر كان عمّ إبراهيم ، واحتجوا بوجوه :
الأوّل : أن آباء الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ما كانوا كفّارا لوجوه :
أحدها : قوله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء : ٢١٩]. قيل : معناه أنه كان يتنقل روحه من ساجد إلى ساجد فدلّت الآية على أن آباء محمد ـ عليهالسلام ـ كانوا مسلمين.
وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم كان مسلما.
فإن قيل : قوله : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) يحتمل وجوها :
منها : أنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف الرسول تلك الليلة على بيوت أصحابه لينظر ماذا [يصنعون لشدة](١) حرصه على ما يظهر منهم من الطّاعات ، فوجدها كبيوت الزّنابير لكثرة ما سمع من أصوات قراءتهم وتسبيحهم وتهليلهم ، فيحتمل أن يكون المراد من تقلبه في الساجدين طوافه في تلك الليلة [على الساجدين](٢) ويحتمل أن يكون المراد صلاته بالجماعة ، واختلاطه بهم حال الصّلاة.
ويحتمل أن يكون المراد تقلّب بصره فيمن يصلّي خلفه لقوله عليه الصّلاة والسّلام «أتمّوا الرّكوع والسّجود فإنّي أراكم من وراء ظهري».
ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يخفى حالك على الله ـ تعالى ـ كلما أقمت وتقلبت في الساجدين في الاشتغال بأمور الدين.
وإذا احتمل ظاهر الآية هذه الوجوه سقط ما ذكرتم.
فالجواب : لفظ الآية يحتمل الكلّ ، ويحصل المقصود حينئذ ، لأن حمل ظاهر الآية على البعض ليس بأولى من البعض ومما يدلّ على أن أحدا من آباء محمد عليه الصلاة والسلام ما كانوا مشركين قوله عليه الصلاة والسلام : «لم أزل أنقل من أصلاب الطّاهرين إلى أرحام الطّاهرات». وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة : ٢٨] فوجب القول بأن أحدا من أجداده ما كان مشركا ، فوجب القطع بأن والد إبراهيم كان إنسانا آخر غير آزر.
الحجّة الثانية : أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام شافهه بالغلظة والجفاء ، ومشافهة الأب بذلك لا يجوز ، أما مشافهته بالجفاء والغلظة فمن وجهين :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.