والاستدلال في أحوال مخلوقاته ، إذ لو أمكن تحصيلها بطريق آخر لما عدل إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهذه الطريقة.
قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)(٧٧)
«بازغا» حال من «القمر» ، والبزوغ : الطّلوع ، يقال : بزغ بفتح الزاي ، يبزغ بضمها بزوغا ، والبزوغ : الابتداء في الطلوع.
قال الأزهري (١) : كأنه مأخوذ من البزغ وهو الشّقّ كأنه بنوره يشقّ الظّلمة شقّا ، ويستعمل قاصرا ومتعديا ، يقال : بزغ البيطار الدّابّة ، أي : أسال دمها ، فبزغ هو ، أي : سال ، هذا هو الأصل.
ثم قيل لكل طلوع : بزوغ ، ومنه بزغ ناب الصبي والبعير تشبيها بذلك.
والقمر معروف سمّي بذلك لبياضه ، وانتشار ضوئه ، والأقمر : الحمار الذي على لون الليلة القمراء ، والقمراء ضوء القمر.
وقيل : سمّي القمر قمرا ؛ لأنه يقمر ضوء الكواكب ويفوز به ، واللّيالي القمر : ليالي تدوّر القمر ، وهي الليالي البيض ؛ لأن ضوء القمر يستمر فيها إلى الصباح.
قيل : ولا يقال له قمرا إلا بعد امتلائه في ثالث ليلة وقبلها هلال على خلاف بين أهل اللغة تقدم في البقرة عند قوله : (عَنِ الْأَهِلَّةِ) [البقرة : ١٨٩] فإذا بلغ بعد العشر ثالث ليلة ، قيل له : «بدر» إلى خامس عشر.
ويقال : قمرت فلانا ، أي : خدعته عنه ، وكأنه مأخوذ من قمرت القربة : فسدت بالقمراء.
قوله : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي) يدلّ على أن الهداية ليست إلّا من الله ، ولا يمكن حمل لفظ الهداية إلا على التمكين ، وإزاحة الأعذار ، ونصب الدلائل ؛ لأن كل ذلك كان حاصلا لإبراهيمعليهالسلام.
قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(٧٨)
إنما ذكر اسم الإشارة مذكرا والمشار إليه مؤنث لأحد وجوه :
إما ذهابا بها مذهب الكواكب ، وإما ذهابا بها مذهب الضوء والنور ، وإما بتأويل الطّالع أو الشخص ؛ كما قال الأعشى : [السريع]
٢٢١٨ ـ قامت تبكّيه على قبره |
|
من لي بعدك يا عامر |
__________________
(١) ينظر : تهذيب اللغة ١٣ / ٤٦.