تعالى ـ في أحد السّموات عين ما حصل منه في سائر السّموات أو غيره ، والأوّل يقتضي حصول المتحيّز الواحد [في مكانين ، وهو باطل ببديهة العقل](١).
والثاني يقتضي كونه ـ تعالى ـ مركّبا من الأجزاء والأبعاض ، وهو محال.
وثالثها : أنّه لو كان موجودا في السّموات لكان محدودا متناهيا وكلّ ما كان كذلك كان قبوله للزيادة والنّقصان ممكنا ، وكلّ ما كان كذلك فهو محدث.
ورابعها : أنّه لو كان في السّموات ، فهل يقدر على خلق عالم آخر فوق هذه السماوات أو لا يقدر (٢)؟ وذلك من وجهين :
والثاني (٣) يوجب تعجيزه وهو محال والأول (٤) يقتضي أنّه ـ تعالى ـ لو فعل ذلك لحصل تحت ذلك العالم ، والقوم منكرون كونه تحت العالم.
وخامسها : أنه تعالى قال : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤] وقال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦].
وقال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] وقال : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] وكلّ ذلك يبطل القول بالمكان والجهة ، وإذا ثبت بهذه الدّلائل أنّه لا يمكن حمل هذا الكلام على ظاهره ، وجب التّأويل ، وهو من وجوه :
الأول : أنّ قوله : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) ، أي : في تدبير السماوات والأرض ، كما يقال : «فلان في أمر كذا» أي : في تدبيره ، وإصلاح مهمّاته ، كقوله : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ).
الثاني : أنّ الكلام [تمّ](٥) عند قوله : (وَهُوَ اللهُ) ثمّ ابتدأ (٦) ، فقال : (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) ، أي : يعلم ما في السّموات سرائر الملائكة ، وفي الأرض يعلم سرائر البشر الإنس والجن.
الثالث : أن يكون الكلام على التقديم والتأخير ، وهو «الله يعلم ما في السماوات ، وما في الأرض سرّكم وجهركم» (٧).
فصل في بيان معنى «ما تكسبون»
قوله : (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) فيه سؤال ، وهو أنّ الأفعال إمّا أفعال القلوب ، وهو المسمّى بالسّرّ ، وإمّا أعمال الجوارح ، وهي المسمّاة بالجهر ، فالأفعال لا تخرج عن السّرّ والجهر.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) زاد في ب : وذلك من وجهين.
(٣) في ب : والأول.
(٤) في ب : والثاني.
(٥) سقط في أ.
(٦) في أ : أخذ.
(٧) ينظر : الرازي ١٢ / ١٢٩.