تركتني في الدّار ذا غربة |
|
قد ذلّ من ليس له ناصر (١) |
أو الشيء ، أو لأنه لما أخبر عنها بمذكّر أعطيت حكمه ؛ تقول : هند ذاك الإنسان وتيك الإنسان ؛ قال : [البسيط]
٢٢١٩ ـ تبيت نعمى على الهجران غائبة |
|
سقيا ورعيا لذاك الغائب الزّاري (٢) |
فأشار إلى «نعمى» وهي مؤنث إشارة المذكر لوصفها بوصف الذكور ، أو لأن فيها لغتين : التذكير والتأنيث ، وإن كان الأكثر التأنيث ، فقد جمع بينهما في الآية الكريمة فأنّث في قوله : «بازغة» ، وذكّر في قوله : «هذا».
وقال الزمخشري (٣) : «جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شيء واحد ؛ كقولهم : ما جاءت حاجتك ، ومن كانت أمك ، و (لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الأنعام : ٢٣] وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرّبّ عن شبهة التأنيث ، إلا تراهم قالوا في صفة الله : علّام ، ولم يقولوا : علّامة ، وإن كان أبلغ ؛ احترازا من علامة التأنيث».
قلت : وهذا قريب ممّا تقدّم في أن المؤنث إذا أخبر عنه بمذكّر عومل معاملة المذكّر ، نحو : «هند ذاك الإنسان».
وقيل : لأنها بمعنى : هذا النّيّر ، أو المرئي.
قال أبو حيّان (٤) : «ويمكن أن يقال : إن أكثر لغة الأعاجم لا يفرقون في الضمائر ، ولا في الإشارة بين المذكّر والمؤنث سواء ، فلذلك أشار إلى المؤنّث عندنا حين حكى كلام إبراهيم بما يشار به إلى المذكر ، بل لو كان المؤنث بفرج لم يكن له علامة تدلّ عليه في كلامهم ، وحين أخبر ـ تعالى ـ عنها بقوله : «بازغة» و «أفلت» أتت على مقتضى العربية ، إذ ليس ذلك بحكاية» انتهى.
وهذا إنما يظهر أن لو حكى كلامهم بعينه في لغتهم ، أما شيء يعبر عنه بلغة العرب ، ويعطى حكمه في لغة العجم ، فهو محلّ نظر.
فصل في بيان سبب تسمية العبرية والسريانية
قال الطبري : إن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما نطق بالعبرانية حين عبر النّهر فارّا من النّمرود حيث قال للذين أرسلهم في طلبه : إذا وجدتم من يتكلم بالسريانية فأتوني
__________________
(١) ينظر البيتان في : شرح المفصل ٥ / ١٠١ ، والإنصاف ٢ / ٥٠٧ ، وسمط اللآلي ١ / ١٧٤ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٧٧ ، ٢٣٨ ، وأمالي المرتضى ١ / ٧١ ـ ٧٢ ، ولسان العرب (عمر).
(٢) البيت للنابغة الذبياني ينظر : ديوانه (٤٩) ، مشاهد الانصاف ١ / ٢٦ ، الكشاف ١ / ٢٦ ، الدر المصون ٣ / ١٠٧.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٤١.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٧٢.