به ، فلما أدركوه استنطقوه ، فحوّل الله نطقه لسانا عبرانيا ، وذلك حين عبر النّهر ، فسميت العبرانية لذلك.
وأما السّريانيّة فذكر ابن سلام أنها سميت بذلك ؛ لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ حين علم آدم الأسماء علّمه سرّا من الملائكة ، وأنطقه بها حينئذ ، فسمّيت السريانية لذلك ، والله أعلم.
قوله : (هذا أَكْبَرُ) أي : أكبر الكواكب جرما ، وأقواها قوة ، فكان أولى بالإلهية.
قوله : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) «ما» مصدرية ، أي : بريء من إشراككم ، أو موصولة أي : من الذين يشركونه مع الله في عبادته ، فحذف العائد ، ويجوز أن تكون الموصوفة والعائد محذوف أيضا ، إلا أنّ حذف عائد الصّفة أقل من حذف عائد الصّلة ، فالجملة بعدها لا محلّ لها على القولين الأوّلين ، ومحلها الجر على الثالث ، ومعنى الكلام أنه لما ثبت بالدليل أن هذه الكواكب لا تصلح للرّبوبيّة والإلهية ، لا جرم تبرّأ من الشّرك.
فإن قيل : هب أن الدليل دلّ على أن الكواكب لا تصلح للربوبية ، لكن لا يلزم من هذا نفي الشرك مطلقا؟
فالجواب : أن القوم كانوا مساعدين على نفي سائر الشّركاء ، وإنما نازعوا في هذه الصورة المعينة ، فلما ثبت بالدليل أن هذه الأشياء ليست أربابا ، وثبت بالاتفاق نفي غيرها ، لا جرم حصل الجزم بنفي الشركاء.
قوله تعالى : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(٧٩)
المراد : وجهت عبادتي وطاعتي لعبادته ورضاه ، كأنهم نفوا بذلك وهم من يتوهّم الجهة ، وسبب جواز هذا المجاز أن من كان مطيعا لغيره منقادا لأمره ، فإنه يتوجّه بوجهه إليه ، فجعل توجيه الوجه إليه كناية عن الطاعة.
وفتح الباء (٢) من وجهي نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم ، والباقون تركوا (٣) هذا الفتح.
قوله : (لِلَّذِي فَطَرَ) قدروا قبله مضافا ؛ أي : وجهت وجهي لعبادته كما تقدم و «حنيفا» حال من فاعل «وجّهت».
وقد تقدّم تفسير هذه الألفاظ ، و «ما» يحتمل أن تكون الحجازية ، وأن تكون التميمية.
قوله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ)(٨٠)
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٠.
(٣) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٠.