والثاني : أنه منصوب على المفعول المطلق ، لأن معنى وسع : علم.
قال أبو البقاء (١) : «لأنّ ما يسع الشّيء فقد أحاط به ، والعالم بالشيء محيط بعلمه».
قال شهاب الدّين (٢) : وهذا الّذي ادّعاه من المجاز بعيد.
و «كل شيء» مفعول ل «وسع» على التقديرين.
و (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) جملة تقرير وتوبيخ ، ولا محلّ لها لاستئنافها ، والمعنى : أفلا تتذكرون أن نفي الشركاء والأضداد والأنداد عن الله لا يوجب حلول العذاب ونزول العقاب ، والسّعي في إثبات التوحيد والتنزيه لا يوجب استحقاق العذاب والعقاب.
قوله تعالى : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٨٢)
قد تقدّم الكلام على «كيف» في أوّل البقرة [آية ٢٨] ، و «ما» يجوز فيها ثلاثة أوجه ، أعني كونها موصولة اسمية ، أو نكرة موصوفة ، أو مصدريّة ، والعائد على الأوّلين محذوف ، أي : ما أشركتموه بالله ، أو إشراككم بالله غيره.
وقوله : (وَلا تَخافُونَ) يجوز في هذه الجملة أن تكون نسقا على «أخاف» فتكون داخلة في حيّز التّعجّب والإنكار ، وأن تكون حالية ، أي : وكيف أخاف الذي تشركون حال كونكم أنتم غير خائفين عاقبة إشراككم ، ولا بدّ من إضمار مبتدأ قبل المضارع المنفي ب «لا» لما تقدّم غير مرّة ، أي : كيف أخاف الذي تشركون ، أو عاقبة إشراككم حال كونكم آمنين من مكر الله الذي أشركتم به غيره ، وهذه الجملة وإن لم يكن فيها رابط يعود على ذي الحال لا يضرّ ذلك ؛ لأن الواو بنفسها رابطة.
وانظر إلى حسن هذا النّظم السّويّ ، حيث جعل متعلّق الخوف الواقع منه الأصنام ، ومتعلق الخوف الواقع منهم إشراكهم بالله غيره تركا لأن يعادل الباري ـ تعالى ـ لأصنامهم لو أبرز التركيب على هذا ، فقال : «ولا تخافون الله» مقابلة لقوله : «وكيف أخاف معبوداتكم». وأتى ب «ما» في قوله : (ما أَشْرَكْتُمْ) وفي قوله : (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) إلّا أنهم غير عقلاء ؛ إذ هي جماد وأحجار وخشب كانوا ينحتونها ويعبدونها.
وقوله : (ما لَمْ يُنَزِّلْ) مفعول ل «أشركتم» ، وهي موصولة اسميّة أو نكرة ، ولا تكون مصدريّة لفساد المعنى ، و «به» و «عليكم» ، متعلّقان ب «ينزّل» ويجوز في «عليكم» وجه
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٠.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١١١.