فكان قوله : (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) يقتضي عطف الشيء على نفسه ، وإنّه فاسد.
والجواب يجب حمل قوله : (ما تَكْسِبُونَ) على ما يستحقّه الإنسان على فعله من ثواب وعقاب.
والحاصل أنّه محمول على المكتسب (١) كما يقال : «هذا المال كسب فلان» ، أي : مكتسبه ، ولا يجوز حمله على نفس الكسب ؛ لأنّه يلزم منه عطف الشيء على نفسه والآية (٢) تدل على كون الإنسان مكتسبا للفعل ، والكسب هو الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع ، أو دفع ضرر ، ولا يوصف فعل الله بأنه كسب لكونه ـ تعالى ـ منزّه عن جلب النّفع ، ودفع الضرر.
قوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (٤)
«من آية» فاعل زيدت فيه «من» لوجود الشرطين (٣) ، فلا تعلّق لها.
و «من آيات» صفة ل «آية» ، فهي في محلّ جر على اللّفظ ، أو رفع على الموضع (٤).
وقال الواحدي (٥) : «من» في قوله : «من آية» صفة ل «آية» أي : آية لاستغراق الجنس الذي يقع في النّفي ، كقولك : «ما أتاني من أحد».
والثانية : في قوله : (مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) للتبعيض.
والمعنى : وما يظهر لهم دليل قط من الدّلائل التي يجب فيها النّظر والاعتبار ، إلّا كانوا عنها معرضين ، والمراد بهم أهل «مكة» ، والمراد بالآيات : انشقاق القمر وغيره.
وقال عطاء : يريد : من آيات القرآن.
قوله : «إلّا كانوا» هذه الجملة الكونيّة في محلّ نصب على الحال ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : أنّه الضمير في «تأتيهم».
والثاني : أنّه «من آية» وذلك لتخصيصها (٦) بالوصف.
و «تأتيهم» يحتمل أن يكون ماضي المعنى (٧) لقوله : «كانوا» ، ويحتمل أن يكون مستقبل المعنى ؛ لقوله «تأتيهم».
واعلم أنّ الفعل الماضي لا يقع بعد «إلّا» إلّا بأحد شرطين : إمّا وقوعه بعد فعل
__________________
(١) في أ : المذهب.
(٢) ثبت في ب : فصل.
(٣) وهذان الشرطان هما : أن يكون مجرورها نكرة ، والثاني : أن يسبق بنفي أو نهي أو استفهام.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٩.
(٥) ينظر : الرازي ١٢ / ١٣٠.
(٦) في ب : لتخصيصهم.
(٧) في أ : الفعل.