أحدها : أنها منصوبة على الظّرف ، و «من» مفعول «نرفع» ؛ أي : نرفع من نشاء مراتب ومنازل.
والثاني : أن ينتصب على أنه مفعول ثان قدّم على الأوّل ، وذلك يحتاج إلى تضمين «نرفع» معنى فعل يتعدّى لاثنين ، وهو «نعطي» مثلا ، أي : نعطي بالرفع من نشاء درجات ، أي : رتبا ، فالدّرجات هي المرفوعة لقوله : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) [غافر : ١٥].
وفي الحديث : «اللهمّ ارفع درجته في علّيّين» ، وإذا رفعت الدرجة فقد رفع صاحبها.
والثالث : ينتصب على حذف حرف الجرّ ؛ أي : إلى منازل ، أو إلى درجات.
الرابع : أن ينتصب على التّمييز ، ويكون محوّلا من المفعوليّة ، فتؤول إلى قراءة الجماعة (١) ؛ إذ الأصل : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) بالإضافة ، ثمّ حوّل كقوله : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١٢] ، أي : عيون الأرض.
الخامس : أنها منتصبة على الحال ، وذلك على حذف مضاف ، أي : ذوي درجات ، ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الأنعام : ١٦٥] ، (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ) [الزخرف : ٣٢] (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى) [البقرة : ٢٥٣].
وأما قراءة الجماعة (٢) : ف «درجات» مفعول «نرفع».
فصل في معنى الدرجات
قيل : الدّرجات درجات أعماله في الآخرة.
وقيل : تلك الحجج درجات رفيعة ؛ لأنها توجب الثّواب العظيم.
وقيل : نرفع درجات من نشاء بالعلم والفهم والفضيلة والعقل ، كما رفعنا درجات إبراهيم حتى اهتدى. والخطاب في «إنّ ربّك» للرّسول محمد عليه الصلاة والسلام.
وقيل : للخليل إبراهيم ، فعلى هذا يكون فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب منبّها بذلك على تشريف له وقوله : (حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ؛ أي : إنما نرفع درجات من نشاء بمقتضى الحكمة والعلم ، لا بموجب الشّهوة والمجازفة ، فإن أفعال الله ـ تعالى ـ منزّهة عن العبث.
قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١١٤ ، البحر المحيط ٤ / ١٧٦.
(٢) الدر المصون ٣ / ١١٤.