فصل في تحرير معنى الهداية
يجوز أن يكون المراد من هذه الهداية معرفة الله ـ تعالى ـ وتنزيهه عن الشرك ؛ لقوله تعالى بعده : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وإذا ثبت ذلك ثبت أن الإيمان لا يحصل إلّا بخلق الله تعالى.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ)(٩٠)
(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي : الكتب المنزّلة عليهم ، و «الحكم» يعني العلم والفقه ، و «النبوة». والإشارة ب «أولئك» إلى الأنبياء الثمانية عشر المذكورين ، ويحتمل أن يكون المراد ب (آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي : الفهم التّامّ لما في الكتاب ، والإحاطة بحقائقه ، وهذا هو الأولى ؛ لأن الثمانية عشر لم ينزل على كل واحد منهم كتابا إلهيا على التعيين.
قوله (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) هذه «الهاء» تعود على الثلاثة الأشياء ، وهي : الكتاب والحكم والنبوة ، وهو قول الزمخشري.
وقيل : يعود على «النبوة» فقط ؛ لأنها أقرب مذكور ، والباء في قوله : (لَيْسُوا بِها) متعلّقة بخبر «ليس» ، وقدم على عاملها ، والباء في «بكافرين» زائدة توكيدا.
فصل في معنى الآية
معنى قوله : (يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) يعني أهل «مكة» (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) ؛ قال ابن عباس : المراد بالقوم الأنصار ، وأهل «المدينة» ، وهو قول مجاهد (١).
وقال قتادة والحسن : يعني الأنبياء الثمانية عشر (٢).
قال الزجاج (٣) : ويدلّ عليه قوله بعد هذه الآية : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ).
وقال أبو رجاء العطاردي (٤) فإن يكفر بها أهل الأرض ، فقد وكّلنا بها أهل السماء ، يعني الملائكة ، وهو بعيد ؛ لأن اسم القوم كلّ ما يقع على غير بني آدم.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٦٠) عن ابن عباس ومجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٢) عن قتادة وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٦٠).
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٣ / ٥٦.
(٤) ينظر : المصدر السابق.