قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)(٩١)
قوله : وما قدروا الله حق قدره الآية الكريمة.
اعلم أن مدار القرآن على إثبات التوحيد والنّبوّة ، فالله ـ تعالى ـ لما حكى عن إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أنه أثبت دليل [التوحيد ،](١) وإبطال الشرك ذكر بعده تقرير أمر النبوة ، فقال : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) حين أنكروا النّبوّة والرسالة ، فهذا بيان وجه النّظم. (حَقَّ قَدْرِهِ) منصوب على المصدر ، وهو في الأصل صفة للمصدر ، فلما أضيف الوصف إلى موصوفه انتصب على ما كان ينتصب عليه موصوفه ، والأصل قدرة الحقّ كقولهم : «جرد قطيفة وسحق عمامة».
وقرأ الحسن البصريّ (٢) ، وعيسى الثقفي : «قدّروا» بتشديد الدّال «قدره» بتحريكها ، وقد تقدّم أنهما لغتان. قوله : «إذ قالوا» منصوب ب «قدروا» ، وجعله ابن عطية (٣) منصوبا ب «قدره» [وفي كلام ابن عطية (٤) ما يشعر بأنها](٥) للتعليل ، و (مِنْ شَيْءٍ) مفعول به زيدت فيه «من» لوجود شرطي الزيادة.
فصل في معنى الآية
قال ابن عبّاس : ما عظّموا الله حقّ تعظيمه (٦).
وروي عنه أيضا أنه قال : معناه ما آمنوا أن الله على كلّ شيء قدير (٧).
وقال أبو العالية (٨) : ما وصفوا الله حقّ صفته.
وقال الأخفش (٩) : ما عرفوه حقّ معرفته ، وحقّق الواحدي (١٠) رحمهالله ـ تعالى ـ فقال : قدر الشّيء إذا سبره وحرّره ، وأراد أن يعلم مقداره يقدره بالضمير قدرا ، ومنه قوله
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١١٨ ، البحر المحيط ٤ / ١٨١ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٢.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٠.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٠.
(٥) سقط في أ.
(٦) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٣) من طريق السدي عن أبي مالك وعزاه لابن أبي حاتم.
وذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ٦٠) عن ابن عباس.
(٧) أخرجه الطبري (٥ / ٢٦٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٣) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس.
(٨) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ٦٠) عن أبي العالية.
(٩) ينظر : ١٣ / ٦٠.
(١٠) ينظر : المصدر السابق.