أما الأوّل وهو أنه ثبت أن الأجسام متماثلة ، وثبت أن ما يحتمله الشيء وجب أن يحتمل مثله ، وإذا كان كذلك كان جسم القمر والشمس قابلا للتّمزّق والتّفرّق ، فإن قلنا : إن الإله غير قادر عليه كان ذلك وصفا له بالعجز ، ونقصان القدرة ، وحينئذ يصدق في حق هذا القائل أنه ما قدر الله حقّ قدره.
وإن قلنا : إنه ـ تعالى ـ قادر عليه ، وحينئذ لا يمتنع عقلا انشقاق القمر ، ولا حصول سائر المعجزات.
وأما المقام الثاني : وهو أن [حدوث](١) هذه الأفعال الخارقة عند دعوى مدّعي النبوة يدلّ على صدقه ، فهذا أيضا ظاهر على ما قدر في كتب الأصول ، فثبت أن كلّ من أنكر مكان البعثة والرسالة ، فقد وصف الله تبارك وتعالى بالعجز ونقصان القدرة ، فكل من قال ذلك ، فهو ما قدر الله حقّ قدره.
والوجه الثالث : أنه لما ثبت حدوث العالم ، فنقول : حدوثه يدلّ على أن إله العالم قادر عليم حكيم ، وأن الخلق كلهم عبيده ، وهو مالكهم وملكهم على الإطلاق والملك المطاع يجب أن يكون له أمر ونهي ، وتكليف على عباده ، وأن يكون له وعد على الطاعة ، ووعيد على المعصية ، وذلك لا يتم ولا يكمل إلّا بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، فكل من أنكر ذلك فقد طعن في كونه تعالى ملكا مطاعا ، ومن اعتقد ذلك ، فهو ما قدر الله حقّ قدره.
فصل في بيان سبب النزول
في هذه الآية الكريمة [بحث](٢) صعب ، وهو أن يقال : هؤلاء الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) إما أن يقال : إنهم كفّار قريش ، أو يقال : إنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فإن كان الأول فكيف يمكن إبطال قولهم بقوله : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) وذلك أن كفّار قريش والبراهمة ينكرون رسالة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فكذلك ينكرون رسالة سائر الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فكيف يحسن إيراد هذا الإلزام عليهم.
وإن كان قائل هذا القول من أهل الكتاب فهو أيضا مشكل ؛ لأنهم لا يقولون هذا القول ، وكيف يقولونه مع أن مذهبهم أن التوراة كتاب أنزله الله على موسى ، والإنجيل كتاب أنزله الله على عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأيضا فهذه السّورة مكيّة ، والمناظرة التي وقعت بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين اليهود والنّصارى كلها مدنية ، فكيف يمكن حمل هذه الآية الكريمة عليها ، فهذا تقدير الإشكال في هذه الآية.
واعلم أن النّاس اختلفوا فيه على قولين ، والقول أن هذه الآية نزلت في حقّ اليهود ، وهو المشهور عند الجمهور (٣).
__________________
(١) في ب : حصول.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ٦١.