و «لمّا» حرف وجوب أو ظرف زمان ، والعامل فيه «كذبوا» (١).
و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، والضمير في «به» عائد عليها ، ويجوز أن تكون مصدرية (٢).
قال ابن عطيّة (٣) : أي : أنباء كونهم مستهزئين ، وعلى هذا فالضمير لا يعود عليها ؛ لأنها حرفية ؛ بل تعود على الحقّ ، وعند الأخفش (٤) يعود عليها ؛ لأنها اسم عنده.
ومعنى الآية : وسوف يأتيهم أخبار استهزائهم وجزاؤه ، أي : سيعلمون عاقبة استهزائهم إذا عذّبوا ، فقيل : يوم «بدر» ، وقيل : يوم القيامة.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ)(٦)
قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا) لمّا منعهم عن الإعراض والتّكذيب ، والاستهزاء بالتهديد والوعيد ، أتبعه بما يجري مجرى الموعظة ، فوعظهم بالاعتبار بالقرون الماضية.
و «كم» (٥) يجوز أن تكون استفهاميّة وخبريّة ، وفي كلا التقديرين فهي معلقة للرؤية عن العمل ؛ لأنّ الخبريّة تجري مجرى الاستفهاميّة في ذلك ، ولذلك أعطيت أحكامها من وجوب التّصدير وغيره ، والرّؤية هنا علميّة ، ويضعف كونها بصرية ، وعلى كلا التقديرين فهي معلّقة عن العمل ؛ لأنّ البصرية تجري مجراها ، فإن كانت علميّة ف «كم» وما في حيّزها سادّة مسدّ مفعولين ، وإن كانت بصريّة فمسدّ واحد.
و «كم» يجوز أن تكون عبارة عن الأشخاص ، فتكون مفعولا بها ، ناصبها «أهلكنا» ، و (مِنْ قَرْنٍ) على هذا تمييز لها وأن تكون عبارة عن المصدر فتنتصب انتصابه ب «أهلكنا» أي : إهلاكا ، و (مِنْ قَرْنٍ) على هذا صفة لمفعول «أهلكنا» أي : أهلكنا قوما ، أو فوجا من القرون ؛ لأنّ قرنا يراد به الجمع ، و «من» تبعيضية ، والأولى لابتداء الغاية.
وقال الحوفي (٦) : «من» الثانية بدل من «من» الأولى ، وهذا لا يعقل فهو وهم بيّن ، ويجوز أن تكون «كم» عبارة عن الزّمان ، فتنتصب على الظرف.
قال أبو حيان : تقديره : كم أزمنة أهلكنا فيها.
__________________
(١) ينظر : رصف المباني ٢٨٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٨٠.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٠ ، والدر المصون ٣ / ٩.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٦٨ ، والبحر المحيط ٤ / ٨٠ ، والدر المصون ٣ / ٩.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٨٠.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٨٠.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٨٠.