وفيه دليل على تقديم الصّفة غير الصريحة على الصريحة ، وأجيب عنه بأن «مبارك» خبر مبتدأ مضمر ، وقد تقدم تحقيق هذا في قوله (بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ) [المائدة : ٥٤].
وقال الواحدي : «مبارك» : خبر الابتداء فصل بينهما بالجملة ، والتقدير : هذا [كتاب](١) مبارك أنزلناه ، كقوله : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) [الأنبياء : ٥٠].
قال شهاب الدين (٢) : وهذا الذي ذكره لا يتمشّى إلا على أن قوله : «مبارك» خبر ثان ل «هذا» وهذا بعيد جدا وإذا سلّم له ذلك ، فيكون «أنزلناه» عنده اعتراضا على ظاهر عبارته ، ولكن لا يحتاج إلى ذلك ، بل يجعل «أنزلناه» صفة ل «كتاب» ولا محذور حينئذ على هذا التقدير ، وفي الجملة فالوجه ما تقدّم فيه من الإعراب.
وقدّم وصفه بالإنزال على وصفه بالبركة ، بخلاف قوله تعالى : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ).
قالوا [لأن الأهم](٣) هنا وصفه بالإنزال إذا جاء عقيب إنكارهم أن ينزل الله على بشر شيء ، بخلاف هناك ، ووقعت الصفة الأولى جملة فعلية ؛ لأن الإنزال يتجدّد وقتا فوقتا والثانية اسما صريحا ؛ لأن الاسم يدلّ على الثبوت والاستقرار ، وهو مقصود هنا أي : [بركته](٤) ثابتة مستقرة.
قال القرطبي (٥) رحمهالله : «ويجوز نصب «مبارك» في غير القرآن العظيم على الحال ، وكذا : مصدق الذي بين يديه».
فصل في المقصود بالإنزال
قوله : «أنزلناه» المقصود أن يعلم أنه من عند الله لا من عند الرسول ، وقوله تعالى : «مبارك» قال أهل المعاني أي : كثير خيره دائم منفعته يبشر بالثواب والمغفرة ، ويزجر عن القبيح والمعصية.
قوله : «مصدّق» صفة أيضا ، أو خبر بعد خبر على القول بأن «مبارك» خبر لمبتدأ مضمر وقع صفة لنكرة ؛ لأنه في نيّة الانفصال ، كقوله تعالى : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف: ٢٤] وكقول القائل في ذلك : [البسيط]
٢٢٣٢ ـ يا ربّ غابطنا لو كان يعرفكم |
|
.......... (٦) |
وقال مكي : (مُصَدِّقُ الَّذِي) نعت ل «الكتاب» على حذف التنوين لالتقاء الساكنين
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٢٠.
(٣) في أ : لا يتم.
(٤) في أ : شركته.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ٢٧.
(٦) صدر بيت لجرير وعجزه :
لاقى مباعدة منكم وحرمانا
ينظر : ديوانه ، ابن يعيش ٣ / ٥١ ، معاني الفراء (٢ / ١٥) ، الدر المصون ٣ / ١٢٠.