و «الذي» في موضع نصب وإن لم يقدر حذف التنوين كان «مصدق» خبرا و «الذي» في موضع خفض ، وهذا الذي قاله غلط فاحش ؛ لأن حذف التنوين إنما هو الإضافة اللفظية ، وإن كان اسم الفاعل في نيّة الانفصال ، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين إنما يكون في ضرورة أو ندور ؛ كقوله : [المتقارب]
٢٢٣٣ ـ .......... |
|
ولا ذاكر الله إلّا قليلا (١) |
والنحويون كلهم يقولون في «هذا ضارب الرجل» : إن حذف التنوين للإضافة تخفيفا ، ولا يقول أحد منهم في مثل هذا : إنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين.
فصل في معنى التصديق في الآية
معنى كون ه «مصدقا لما قبله» من الكتب المنزلة قبله أنها [توافقنا في نفي الشرك وإثبات التوحيد](٢).
قوله : (وَلِتُنْذِرَ) قرأ الجمهور (٣) بتاء الخطاب للرّسول عليه الصلاة والسلام ، وأبو بكر (٤) عن عاصم بياء الغيبة ، والضمير للقرآن الكريم ، وهو ظاهر أي : ينذر بمواعظه وزواجره ويجوز أن يعود على الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ للعلم به.
وهذه «اللام» فيها وجهان :
أحدهما : هي متعلّقة ب «أنزلنا» عطف على مقدّر قدّره أبو البقاء : «ليؤمنوا ولتنذر» ، وقدّرها الزمخشري (٥) ، فقال : «ولتنذر» معطوف على ما دلّ عليه صفة الكتاب ، كما قيل : أنزلناه للبركات وليصدق ما تقدّمه من الكتب والإنذار.
والثاني : أنها متعلّقة بمحذوف متأخّر ، أي ولتنذر أنزلناه.
قوله : (أُمَّ الْقُرى) يجوز أن يكون من باب الحذف ، أي : أهل أم القرى ، وأن يكون من باب المجاز أطلق للحمل إلى المحلّ على الحال ، وإنهما أولى أعني المجاز والضمير في المسألة ثلاثة أقوال ، تقدم بيانها ، وهذا كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] وهناك وجه لا يمكن هنا ، وهو أنه يمكن أن يكون السؤال للقرية حقيقة ، ويكون ذلك معجزة للنبي ، وهنا لا يتأتي ذلك وإن كانت القرية أيضا نفسها هنا تتكلّم إلا أن الإنذار لا يقع لعدم فائدته.
__________________
(١) تقدم.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٢١ ، البحر المحيط ٤ / ١٨٣ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٢ ، السبعة ص (٢٦٣) ، النشر ٢ / ٢٦٠ ، ٢٩٨ ، التبيان ١ / ٥١٩ ـ ٥٢٠.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٢١ ، البحر المحيط ٤ / ١٨٣ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٢ ، السبعة ص (٢٦٣) ، النشر ٢ / ٢٦٠ ، ٢٩٨ ، التبيان ١ / ٥١٩ ـ ٥٢٠ ، الحجة لابن خالويه ص (١٤٥).
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٥.