أحدهما : نفي تلك الذّات بقيدها.
والثاني : نفي القيد فقط دون نفي الذّات.
فإن قلت «ما رأيت زيدا ضاحكا» ، فيجوز أنك لم تر زيدا ألبتّة ، ويجوز أنك رأيته من غير ضحك ، فكذا هاهنا ، إذ التقدير : وما نرى معكم شفعاءكم مصاحبيكم ، يجوز أن لم يروا الشفعاء ألبتّة ، ويجوز أن يروهم دون مصاحبتهم لهم ، فمن أين يلزم أنهم يكونون معهم ، ولا يرونهم من هذا التركيب ، وقد تقدم تحقيق هذه القاعدة في أوائل سورة «البقرة» (١) في قوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) [البقرة : ٢٧٣].
و «أنهم» سد مسدّ المفعولين ل «زعم» و «فيكم» متعلق بنفس شركاء ، والمعنى : الذين زعمتم أنهم شركاء الله فيكم ، أي في عبادتكم ، أو في خلقكم ، لأنكم أشركتموهم مع الله ـ تعالى ـ في عبادتكم وخلقكم.
وقيل «في» بمعنى «عند» ، ولا حاجة إليه.
وقيل : المعنى أنهم يتحملون عنكم نصيبا من العذاب ، أي : شركاء في عذابكم إن كنتم تعتقدون فيهم أنكم إذا أصابتكم نائبة شاركوكم فيها.
فصل في معنى الآية
معنى الآية الكريمة : (جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) : حفاة عراة ، وخلّفتم ما أعطيناكم من الأموال والأولاد والخدم خلف ظهوركم في الدنيا ، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ، وذلك أن المشركين زعموا أنهم يعبدون الأصنام ؛ لأنهم شركاء الله ، وشفعاؤهم عنده ، والمراد من الآية التّقريع والتوبيخ ، وذلك لأنهم صرفوا جدّهم وجهدهم إلى تحصيل المال والجاه ، وعبدوا الأصنام لاعتقادهم أنها شفعاؤهم عند الله تبارك وتعالى ، ثم أنهم لما وردوا محفل القيامة لم يبق لهم من تلك الأموال شيء ، ولم يجدوا من تلك الأصنام شفاعة فبقوا فرادى على كل ما حصّلوه في الدنيا ، وعوّلوا عليه ، بخلاف أهل الإيمان ، فإنهم صرفوا همّهم إلى الأعمال الصالحة ، فبقيت معهم في قبورهم ، وحضرت معهم في محفل القيامة ، فهم في الحقيقة ما حضروا فرادى.
قوله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ). قرأ نافع ، والكسائي (٢) ، وعاصم في رواية حفص عنه «بينكم» نصبا ، والباقون (٣) «بينكم» رفعا.
__________________
(١) الآية ٢٧٣.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٢٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٨٦ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٢ ـ ٢٣ ، الحجة لأبي زرعة ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، السبعة ٢٦٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٢٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٨٦ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٢ ـ ٢٣ ، الحجة لأبي زرعة ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، السبعة ٢٦٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠ ، التبيان ١ / ٥٢٢ ، الزجاج ٢ / ٣٠٠ ، الفراء ١ / ٣٤٥ ، المشكل ١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، المستدرك ٢ / ٢٣٨ الحجة ٢٦٣.