وقول الآخر في ذلك : [البسيط]
٢٢٤٥ ـ ما بين عوف وإبراهيم من نسب |
|
إلّا قرابة بين الزّنج والرّوم (١) |
تقديره : وجلدة ما بين ، وإلّا قرابة ما بين ، ويدل على ذلك قراءة عبد الله ، ومجاهد (٢) ، والأعمش : «لقد تقطّع ما بينكم».
السابع : قال الزمخشري (٣) : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) : لقد وقع التّقطّع بينكم ، كما تقول : جمع بين الشّيئين ، تريد أوقع الجمع بينهما على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل قول حسن ، وذلك لأن لو أضمر في «تقطّع» ضمير المصدر المفهوم منه لصار التقدير : تقطع التّقطع بينكم ، وإذا تقطّع التقطع بينهم حصل الوصل ، وهذا ضدّ المقصود ، فاحتاج أن قال : إن الفعل أسند إلى مصدره بالتأويل المذكور ، إلا أن أبا حيّان (٤) اعترضه ، فقال : «فظاهره أنه ليس بجيّد ، وتحريره أنه أسند الفعل إلى ضمير مصدره فأضمره فيه ؛ لأنه إن أسنده إلى صريح المصدر ، فهو محذوف ، ولا يجوز حذف الفاعل ، ومع هذا التقدير فليس بصحيح ؛ لأن شرط الإسناد مفقود فيه ، وهو تغاير الحكم والمحكوم عليه ؛ يعني : أنه لا يجوز أن يتّحد الفعل والفاعل في لفظ واحد من غير فائدة ، لا تقول : قام القائم ، ولا قعد القاعد ، فتقول : إذا أسند الفعل إلى مصدره ، فإما إلى مصدره الصريح من غير إضمار ، فيلزم حذف الفاعل ، وإما على ضميره ، فيبقى تقطّع التّقطّع ، وهو مثل : قام القائم ، وذلك لا يجوز ، مع أنه يلزم عليه أيضا فساد المعنى كما تقدم منه أنه يلزم أن يحصل لهم الوصل».
قال شهاب الدّين (٥) : وهذا الذي أورده الشّيخ لا يرد لما تقدّم من قول الزمخشري (٦) على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل ، وقد تقدّم ذلك التأويل.
وأما القراءة الثانية ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه اتّسع في هذا الظرف ، فأسند الفعل إليه ، فصار اسما كسائر الأسماء المتصرف فيها ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥] فاستعمله مجرورا ب «من» وقوله تعالى : (فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف : ٧٨] (مَجْمَعَ بَيْنِهِما) [الكهف : ٦١] (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) [المائدة : ٦] وحكى سيبويه : «هو أحمر بين العينين» (٧)
__________________
(١) البيت لجرير. ينظر : ديوانه (٣٩٣) وروايته فيه :
ما بين تيم وإسماعيل من نسب |
|
إلا القرابة بين الزنج والروم |
الدر المصون ٣ / ١٢٨.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٢٦ ـ ١٢٧ ، البحر المحيط ٤ / ١٨٦.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٧.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٨٦.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٠.
(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٧.
(٧) ينظر : الكتاب ١ / ١٠٠ وكذلك قولهم : «هو جيّد وجه الدّار» من هذا الباب.