وثالثها : أنه يتولّد من تلك النّواة شجرة ، ويحصل في تلك الشّجرة طبائع مختلفة ؛ فإنّ قشر الخشبة له طبيعة مخصوصة ، وفي داخل تلك القشرة جرم الخشبة ، وفي داخل تلك [الخشبة](١) جسم رخو لطيف يشبه العهن المنفوش ، ثم إنه يتولّد من ساق الشّجرة أغصانها ، ويتولّد من الأغصان الأوراق ، والأزهار ، والأنوار ، ثانيا ، ثم الفاكهة ثالثا ، ثم قد يحصل للفاكهة أربعة أنواع من القشور كالجوز واللّوز ؛ فإن قشره الأعلى هو الجرم الأخضر ، وتحته جرم القشر الذي يشبه الخشب ، وتحت القشر الّذي كالغشاء الرّقيق المحيط باللّبّ ، وذلك اللّبّ مشتمل على جرم كثيف هو أيضا كالقشرة ، وعلى جرم لطيف هو كالدّهن ، وهو المقصود الأصليّ ؛ فتوّلّد هذه الأجسام المختلفة في طبائعها ، وصفاتها ، وألوانها ، وأشكالها ، وطعومها ، مع تساوي تأثيرات الطّبائع ، والفصول الأربعة ، والطّبائع الأربع ، يدلّ على أنّها إنما حدثت بتدبير العليم ، الحكيم ، المختار ، القادر ، لا بتدبير الطّبائع والعناصر.
ورابعها : أنّك قد تجد الطّبائع الأربعة حاصلة في الفاكهة الواحدة ، فالأترجّ (٢) : قشره حارّ يابس ، ولحمه بارد رطب ، وحماضه بارد يابس ، وبذره حارّ يابس ، وكذلك العنب : قشره وعجمه بارد يابس ، وماؤه ولحمه حارّ رطب ؛ فتولّد هذه الطّبائع المتضادّة ، والخواصّ المتنافرة عن الحبّة الواحدة ، لا يكون إلا بإيجاد الفاعل المختار.
وخامسها : أنّك تجد أحوال الفواكه مختلفة ؛ فبعضها يكون اللّبّ في الدّاخل ، والقشر في الخارج كما في الجوز واللّوز ، وبعضها تكون الفاكهة في الخارج ، وتكون الخشبة في الدّاخل ، كالخوخ والمشمش ، وبعضها تكون النّواة لها لبّ كالمشمش ، والخوخ ، وبعضها لا لبّ له كنوى التّمر ، وبعض الفواكه لا يكون له من الدّاخل والخارج قشر ، بل يكون مطلوبا [كالتين](٣) فهذه أحوال مختلفة في الفواكه.
وأيضا الحبوب المختلفة في الأشكال والصّور ، فشكل الحنطة كأنّها نصف دائرة ، وشكل الحمّص على وجه آخر ، فهذه الأشكال المختلفة ، لا بدّ وأن تكون لأسرار وحكم علم الخالق أنّ تركيبها لا يكمل إلّا على هذا الشّكل.
وأيضا : فقد تكون الثّمرة الواحدة غذاء لحيوان ، وسمّا لحيوان آخر ؛ فاختلاف هذه
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) جنس شجر من الفصيلة البرتقالية ، وهو ناعم الأغصان والورق والثمر ، وثمره كالليمون الكبار. وهو ذهبي اللون ، ذكي الرائحة ، حامض الماء ، ينبت في البلاد الحارة. يعرف في الشام باسم «ترنج» و «كبّاد» ، وفي مصر والعراق «أترج» ، كما يسمى «تفاح العجم» و «تفاح ماهي» ، و «ليمون اليهود» لأنهم يحملونه في الأعياد ، وقد ورد ذكره في سفر اللاويين من التوراة : «تأخذون لأنفسكم ثمر الأترج بهجة». وورد ذكره في حديث لرسول الله محمد عليه الصلاة والسلام هو : «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجّة : طعمها طيب وريحها طيب» ينظر : قاموس الغذاء ص ١٠.
(٣) في أ : كالطين.