في الليل إلى مقصده وإلى القبلة ، وأيضا إنها زينة السماء كما قال : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [تبارك : ٥] وقال : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) [الصافات : ٦] ومن منافعها أيضا كونها رجوما للشياطين ، ثم قال : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ هذه النجوم كما يمكن أن يستدلّ بها على [الطّرقات في ظلمات البر والبحر فكذلك يمكن أن يستدلّ بها على](١) معرفة الصانع الحكيم ، وكمال قدرته وعلمه.
والثاني : أن يكون المراد هاهنا من العلم : العقل ، فيكون نظير قوله تعالى في سورة البقرة : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة : ١٦٤] وقوله في آل عمران : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ) إلى قوله : (لِأُولِي الْأَلْبابِ) [آل عمران : ١٩٠].
[الثالث :](٢) أن المراد من قوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : لقوم يتفكّرون ويتأملون ، ويستدلون بالمحسوس على المعقول ، ويتنقلون من الشّاهد إلى الغائب.
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (٩٨)
وهذا نوع رابع من دلائل وجود الإله سبحانه وتعالى وكمال قدرته وعلمه ، وهو الاستدلال بأحوال الإنسان ، فقوله : (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ، يعني آدم عليه الصلاة والسلام ، وهي نفس واحدة ، وحواء مخلوقة من ضلع من أضلاعه ، فصار كل [الناس](٣) من نفس واحدة ، وهي آدم.
فإن قيل : فما القول في عيسى؟
فالجواب : أنه مخلوق من مريم التي هي مخلوقة من أبويها.
فإن قيل : أليس القرآن الكريم دالّ على أنه مخلوق من الكلمة أو من الروح المنفوخ فيها ، فكيف يصح ذلك؟!.
فالجواب : أن كلمة «من» تفيد ابتداء الغاية ولا نزاع أن ابتداء عيسى عليه الصلاة والسلام كان من مريم ، وهذا القدر كان في صحّة هذا اللفظ.
قال القاضي (٤) : فرق بين قوله تبارك وتعالى : [«أنشأكم» وبين قوله : «خلقكم» لأن أنشأكم يفيد أنه خلقكم لا ابتداء ، ولكن على وجه النمو والنشوء لا من مظهر من الأبوين ، كما يقال في النبات : إنه تعالى أنشأه بمعنى](٥) النمو والزيادة إلى وقت الانتهاء.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : الإنسان.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ٨٤.
(٥) سقط في أ.