صلب الأب لا من قبل الغير ، وحصلت في رحم [الأم بفعل الغير](١) فأشبهت الوديعة كأنّ الرجل أودعها ما كان مستقرّا عنده.
وقال الحسن : «المستقر» حاله بعد الموت ، و «المستودع» حاله قبل الموت (٢) ؛ لأنه أشبه الوديعة لكونها مشرفة على الذّهاب والزّوال وقيل العكس.
وقال مجاهد : «مستقر» على ظهر الأرض ، و «مستودع» عند الله في الآخرة (٣) ؛ لقوله عزوجل (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [البقرة : ٣٦].
وقيل : المستودع : القبر ، والمستقر : الجنة والنار.
وقال أبو مسلم (٤) : تقديره : هو الذي أنشأكم من نفس واحدة ، فمنكم ذكر ومنكم أنثى إلّا أنه ـ تبارك وتعالى ـ عبّر عن الذّكر بالمستقر ، لأن النّطفة مما تتولّد في صلبه ، وتستقر هناك ، وعبر عن الأنثى بالمستودع ؛ لأن رحمها شبيه بالمستودع لتلك النّطفة ، والمقصود من ذكر الله التّفاوت في الصفات أن هذا الاختلاف لا بد له من سبب ومؤثّر ، وذلك هو الفاعل المختار الحكيم.
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٩٩)
وهذا نوع خامس من الدّلائل على كمال قدرته تعالى وعلمه وحكمته ورحمته وإحسانه إلى خلقه.
قوله : «فأخرجنا» فيه التفات من غيبة إلى تكلّم بنون العظمة والباء في «به» للسّببية.
وقوله : (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) قيل : المراد كلّ ما يسمّى نباتا في اللغة.
قال الفراء (٥) : «رزق كل شيء ، أي : ما يصلح أن يكون غذاء لكل شيء ، فيكون مخصوصا بالمتغذى به».
وقال الطّبري (٦) : «هو جميع ما ينمو من الحيوان والنبات والمعادن ؛ لأن كل ذلك يتغذّى بالماء».
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٢٨٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٦) عن الحسن وقتادة وعزاه لأبي الشيخ.
(٣) أخرجه الطبري (٥ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣) عن مجاهد وابن عباس.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ٨٥.
(٥) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٤٧.
(٦) ينظر : الطبري ٥ / ٢٨٧.