قوله : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) في الهاء وجهان :
أحدهما : أن يعود على النّبات ، وهو الظاهر ، ولم يذكر الزمخشري غيره ، وتكون «من» على بابها من كونها لابتداء الغاية ، أو تكون «من» للتبعيض ، وليس كذلك.
والثاني : يعود على الماء ، وتكون «من» سببيّة.
وذكر أبو البقاء (١) ـ رحمهالله تعالى ـ الوجهين ، فقال : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) أي : بسببه ، ويجوز أن تكون الهاء في «منه» راجعة على النبات ، وهو الأشبه ، وعلى الأول يكون «فأخرجنا» بدلا من «أخرجنا» الأول أي : أنه يكتفى في المعنى بالإخبار بهذه الجملة الثانية ، وإلا فالبدل الصناعي لا يظهر ، فالظاهر أن «فأخرجنا» عطف على «فأخرجنا» الأول.
وقال أبو حيان (٢) : وأجاز أبو البقاء (٣) ـ رحمهالله تعالى ـ أن يكون بدلا من «فأخرجنا».
قلت : إنما جعله بدلا بناء على عود الضمير في «منه» على الماء فلا يصحّ أن يحكى عنه أنه جعله بدلا مطلقا ؛ لأن البدليّة لا تتصوّر على جعل الهاء في «منه» عائدة على النبات ، والخضر بمعنى الأخضر ك «عور» و «أعور».
قال أبو إسحاق (٤) : يقال : أخضر يخضر فهو خضر وأخضر ك «أعور» فهو عور وأعور.
والخضرة أحد الألوان ، وهو بين البياض والسواد ولكنها إلى السّواد أقرب ، وكذلك أطلق الأسود على الأخضر ، وبالعكس ، ومنه «سواد العراق» لخضرة أرضه بالشجر ، وقال تبارك وتعالى: (مُدْهامَّتانِ) [الرحمن : ٦٤] أي : شديدتا السواد لريّهما ، والمخاضرة مبايعة الخضر والثمار قبل بلوغها ، والخضيرة : نخلة ينتثر بسرها أخضر.
وقوله عليه الصلاة والسلام : «إيّاكم وخضراء الدّمن» فقد فسّره رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله : «المرأة الحسناء في المنبت السّوء» (٥) والدّمن : مطارح الزّبالة ، وما يستقذر ، فقد ينبت منها ما يستحسنه الرائي.
قال اللّيث : الخضر في كتاب الله الزّرع والكلأ ، وكل نبت من الخضر.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد القمح والشعير والسلت والذرة والأرز ، والمراد بهذا الخضر العود الأخضر الذي يخرج أوّلا ، وتكون السّنبلة مركبة عليه من فوقه (٦)
قوله : (نُخْرِجُ مِنْهُ) أي : من الخضر.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٤.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٩٣.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٤.
(٤) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٠٢.
(٥) ذكره الحافظ العراقي (٢ / ٣٨) في تخريج الإحياء وقال : رواه الدار قطني في الأفراد والرامهرمزي في الأمثال من حديث أبي سعيد الخدري ، قال الدار قطني : تفرد به الواقدي وهو ضعيف.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٣٢).