أحدهما : أنه نعت لمصدر محذوف ؛ أي : خرقوا له خرقا بغير علم قاله أبو البقاء (١) ، وهو ضعيف المعنى.
الثاني : وهو الأحسن : أن يكون منصوبا على الحال من فاعل «خرقوا» أي : افتعلوا الكذب مصاحبين للجهل وهو عدم العلم كقول اليهود (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] وقول النصارى : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] وقول كفّار العرب : الملائكة بنات الله ، ثم إنه تبارك وتعالى نزّه نفسه ، فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) ، والمقصود تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به.
واعلم أنه تبارك وتعالى حكى عن الكفّار أنه أثبتوا له بنين وبنات ، أما الذين أثبتوا البنين فمنهم النّصارى ، وقوم من اليهود ، وأما الذين أثبتوا البنات فهم العرب الذين يقولون : الملائكة بنات الله.
وقوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) كالتّنبيه على ما هو الدليل القاطع على فساد هذا القول ؛ لأن الإله يجب أن يكون واجب الوجود لذاته [فولده إما أن يكون واجب الوجود لذاته ، أو لا يكون ، فإن كان واجب الوجود لذاته](٢) كان مستقلا بنفسه قائما بذاته لا تعلّق له في وجوده بالآخر ، ومن كان كذلك لم يكن له ولد ألبتّة ؛ لأن الولد مشعر بالفرعية والحاجة.
وإن كان ممكن الوجود ، فحينئذ يكون وجوده بإيجاد واجب الوجود لذاته ، فيكون عبدا له لا ولدا له ، فثبت أنّ من عرف أن الإله ما هو امتنع من أن يثبت له البنات والبنين.
وأيضا فإن الولد يحتاج إليه ليقوم مقامه بعد فنائه ، وهذا إنما يقال في حقّ من يفنى ، أما من تقدّس عن ذلك لم يعقل الولد في حقّه.
أيضا فإن الولد يشعر بكونه متولّدا عن جزء من أجزاء الوالد ، وذلك إنما يعقل في حقّ المركّب من الأجزاء ، أما الفرد الواجب لذاته فمحال ، فمن علم ما حقيقة الله ؛ استحال أن يقول : له ولد ، فكان قوله تبارك وتعالى : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) إشارة إلى هذه الدقيقة.
قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(١٠٢)
لمّا بيّن فساد أقوال المشركين شرع في إقامة الدلالة على فساد قول من يثبت له الولد ، فقال : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٥.
(٢) سقط في أ.