وقيل : اللطيف الذي ينسي العباد ذنوبهم لئلّا يخجلوا ، واللّطافة ضدّ الكثافة ، والمراد منه الرقة ، وذلك في حقّ الله تعالى ممتنع ، فوجب المصير إلى التأويل ، وهو من وجوه (١) :
أحدها : لطف صنعه في تركيب أبدان الحيوانات من الأجزاء الدقيقة ، والمنافذ الضيقة التي لا يعلمها أحد إلا الله تبارك وتعالى.
وثانيها : لطيف بعباده حيث يثني عليهم عند الطّاعة ، ويأمرهم [بالتّوبة عند](٢) المعصية ، ولا يقطع عنهم موادّ رحمته ، سواء كانوا مطيعين أو عصاة.
وثالثها : لطيف بهم حيث لا يأمرهم فوق طاقتهم ، وينعم عليهم بما هو فوق استحقاقهم.
وأما الخبير فهو من الخبر ، وهو العلم ، والمعنى : أنه لطيف بعباده مع كونه عالما بما هم عليه من ارتكاب المعاصي والقبائح.
وقال الزمخشري (٣) : اللّطيف معناه : أنه يلطف عن أن تدركه الأبصار الخبير بكل لطيف ، فهو يدرك الأبصار ولا يلطف شيء عن إدراكه.
فصل فيما تدل عليه الآية
احتج أهل السّنّة بهذه الآية على أنه ـ تبارك وتعالى ـ لا تدركه الأبصار ، وذلك مما يساعد الخصم عليه ، وعليه بنوا استدلالهم على نفي الرؤية ، فنقول : لو لم يكن تعالى جائز الرّؤية لما حصل التّمدّح بقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ؛ ألا ترى أن المعدوم لا تصحّ رؤيته ، والعلوم والقدرة والإرادة والروائح والطعوم لا يصح رؤية شيء منها ولا مدح لشيء منها في كونها بحيث لا يصحّ رؤيتها ، فثبت أن قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يفيد المدح ، وثبت أن ذلك إنما يفيد المدح لو كان صحيح الرّؤية ، وهذا يدلّ على أن قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يفيد كونه ـ تعالى ـ جائز الرّؤية ، وتحقيقه أن الشيء إذا كان في نفسه بحيث يمتنع رؤيته ، فحينئذ لا يلزم من عدم رؤيته مدح وتعظيم لذلك الشيء ، أما إذا كان في نفسه جائز الرؤية ، ثم إنه قدر على حجب الأبصار عن رؤيته ، وعن إدراكه كانت هذه القدرة دالّة على المدح والعظمة ، فثبت أن هذه الآية دالّة على أنه ـ تعالى ـ يجوز رؤيته بحسب ذاته ، وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن المؤمنين يرونه [يوم القيامة ، والدليل عليه أن القائل قائلان قائل قال بجواز الرؤية ، مع أن المؤمنين يرونه ، وقال قال : لا يرونه ، ولا تجوز](٤) رؤيته.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٣ / ١٠١.
(٢) في ب : بالطاعة عن.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٤.
(٤) سقط في أ.