اللّباب في علوم الكتاب [ ج ٨ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في اللّباب في علوم الكتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

أي لملحقون ، وقال : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) [يونس : ٩٠] أي : لحقه ، ويقال : أدرك فلان فلانا ، وأدرك الغلام الحلم ، أي : بلغ ، وأدركت الثمرة ، أي : نضجت ، فثبت أن الإدراك هو الوصول إلى الشيء ، وإذا عرف هذا فنقول المرئيّ إذا كان له حدّ ونهاية ، وأدركه البصر بجميع حدوده وجوانبه ونهايته صار ذلك الإبصار كأنه أحاط به فتسمّى هذه الرّؤية إدراكا.

أما إذا لم يحط البصر بجوانب المرئيّ لم تسمّ تلك الرؤية [إدراكا ، فالحاصل أن الرؤية](١) جنس تحته نوعان : رؤية مع الإحاطة [ورؤية لا مع الإحاطة ، والرؤية مع الإحاطة](٢) هي التي تسمى إدراكا ، فنفي الإدراك يفيد نفي الجنس ، فلم يلزم من نفي الإدراك على الله ـ تعالى ـ نفي الرؤية عن الله ، وهذا وجه حسن في الاعتراض على كلامهم ، فإن قالوا : إن قلتم : إنّ الإدراك يغاير الرؤية ، فقد أفسدتم على أنفسكم الوجوه الأربعة التي تمسّكتم بها في هذه الآية الكريمة على إثبات الرؤية.

قلنا : هذا يفيد أنه إدراك أخصّ من الرّؤية ، وإثبات الأخصّ يوجب إثبات الأعمّ ، أما نفي الأخصّ فلا يوجب نفي الأعمّ ، فثبت أن البيان الذي ذكرناه يبطل كلامهم ، ولا يبطل كلامنا.

وثانيها : أن نقول : هب أن الإدراك يفيد عموم النّفي عن كل الأشخاص في كلّ الأحوال ، فلا نسلّم أنه يفيد نفي العموم ، إلّا أن نفي العموم غير ، وعموم النفي غير ، وقد دلّلنا على أن هذا اللّفظ لا يفيد إلا نفي العموم ، وبيّنّا أن نفي العموم يوجب ثبوت الخصوص (٣).

وأما قولهم : إن عائشة تمسّكت بهذه الآية في نفي الرؤية ، فنقول : معرفة مفردات اللغة إنما تكتسب من علماء اللغة ، فأمّا كيفية الاستدلال بالدليل ، فلا يرجع فيه إلى التّقليد ، وبالجملة فالدليل العقليّ دلّ على أن قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يفيد نفي العموم وثبت بصريح العقل أن نفي لعموم مغاير لعموم النّفي ، ومقصودهم إنما يتمّ لو دلّت الآية الكريمة على عموم النفي ، فسقط كلامهم (٤).

وثالثها : أن نقول : صيغة الجمع كما تحمل [على الاستغراق فقد تحمل](٥) على المعهود السّابق أيضا ، وإذا كان كذلك ، فقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وهي الأحداق وما دامت تبقى على هذه الصفات التي هي موصوفة بها في الدنيا لا تدرك الله تعالى ، وإنما تدرك الله تعالى إذا تبدّلت صفاتها ، وتغيّرت أحوالها ، فلم قلتم : إن حصول هذه التغيرات لا تدرك الله تعالى.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٠٥.

(٤) ينظر : المصدر السابق.

(٥) سقط في أ.