قالوا : لأنّها إذا طلبته حملت فولدت فدرّت.
قوله : (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) إن جعلنا «جعل» تصييرية (١) كان «تجري» مفعولا ثانيا ، وإن جعلناها إيجاديّة كان حالا.
و (مِنْ تَحْتِهِمْ) يجوز فيه أوجه :
أن يكون متعلّقا ب «تجري» ، وهو أظهرها ، وأن يكون حالا ، إمّا من فاعل «تجري» ، أو من «الأنهار» ، وأن يكون مفعولا ثانيا ل «جعلنا» ، و «تجري» على هذا حال من الضمير في الجارّ ، وفيه ضعف لتقدّمها على العامل المعنويّ ، ويجوز أن يكون (مِنْ تَحْتِهِمْ) حالا من «الأنهار» كما تقدّم ، و «تجري» حال من الضمير المستكنّ فيه ، وفيه الضّعف المتقدّم (٢).
فصل
المراد من قوله : (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) كثرة البساتين ، والمعنى أنهم وجدوا من منافع الدّنيا أكثر مما وجده أهل «مكّة» المشرفة ، ثمّ مع هذه الزيادة في العزّ ، وكثرة العدد والبسطة في المال والجسم لمّا كفروا فجرى عليهم ما سمعتم من إهلاكهم ، وهذا يوجب الاعتبار.
فإن قيل : ليس في هذا الكلام إلّا أنهم هلكوا إلّا أن الإهلاك غير مختصّ بهم ، بل الأنبياء والمؤمنون كلهم أيضا قد هلكوا فكيف يحسن إيراد هذا الكلام في معرض الزّجر عن الكفر مع أنه يشترك فيه الكافر والمؤمن؟.
فالجواب : ليس المقصود منه الزّجر بمجرد الموت والهلاك ، بل المراد منه أنهم باعوا الدّين بالدنيا ؛ فعوقبوا بسبب الامتناع من الإيمان ، وهذا المعنى غير مشترك بين الكافر والمؤمن (٣).
فإن قيل : كيف قال : «أو (لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا) مع أنّ القوم ماتوا مقرّين بصدق محمدصلىاللهعليهوسلم فيما يخبر به عنه ، وأيضا فهم لم يشاهدوا وقائع الأمم السّالفة؟
فالجواب : أنّ [أقاصيص المتقدمين مشهورة بين الخلق فيبعد أن يقال إنهم ما سمعوا أخبارهم ، ومجرد سماعها يكفي في الإعتبار.
فإن قيل : أي فائدة في ذكر إنشاء قرن آخرين بعدهم؟
فالجواب : أن](٤) فائدته التّنبيه أنّه لا يتعاظمه إهلاكهم وإخلاء بلادهم منهم ، فإنه قادر على إنشاء آخرين مكانهم يعمّر بهم بلاده ، كقوله : (وَلا يَخافُ عُقْباها) [الشمس : ١٥].
__________________
ـ استوبلت استيبالا ، ويقال أيضا : استذرت المعزى استذراء من المعتل ، بالذال المعجمة ، اللسان : «درر» ١٣٥٨.
(١) في ب : تفسيرية.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣.
(٣) ينظر : الرازي ٢ / ١٣٢.
(٤) سقط في أ.