دون حال](١). فهذا تمام الكلام في الجواب عن الوجوه التي ذكرها.
وأما الدّلالة الدّالّة على أن المؤمنين يرون الله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣].
وقال مقاتل : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين : ١٥] قال مالك : لو لم ير المؤمنون ربّهم يوم القيامة لم يعدّ الله للكفار الحجاب ، وقال : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) [الإنسان : ٢٠] بفتح الميم وكسر اللام على إحدى القراءات ، ولما طلب موسى عليه الصلاة والسلام من الله تعالى الرؤية دلّ ذلك على جواز رؤية الله تعالى.
وأيضا علّق الرؤية على استقرار الجبل حيث قال : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] واستقرار الجبل جائز ، والمعلّق على الجائز جائز.
والوجوه الأربعة المتقدّمة في أوّل الآية الكريمة سيأتي الكلام عليها وعلى هذه الآيات ، وما يشبهها في الدّلالة في مواضعها إن شاء الله تعالى.
وأمّا الأخبار فكثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام : «سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر» (٢) وقال عليهالسلام : «إنّكم سترون ربّكم عيانا» وقرأ عليه الصلاة والسلام قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] قال : «الحسنى» هي الجنّة و «الزّيادة» هي النّظر إلى وجه الله (٣).
واختلف الصحابة في أن النبي صلىاللهعليهوسلم هل رأى ربّه ليلة المعراج؟ ولم يكفّر بعضهم بعضا بهذا السّبب ، ولا نسبه إلى البدعة والضلالة ، وهذا يدلّ على أنهم كانوا مجتمعين على أنه لا امتناع عقلا في رؤيته تعالى ، والله تعالى أعلم ، وصلّى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلّم.
قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)(١٠٤)
لمّا بيّن بالبيّنات الباهرة ، والدلائل القاهرة المطالب الإلهية عاد إلى تقرير الدّعوة والتبليغ والرسالة ، وإنما ذكر الفعل لشيئين :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) متفق عليه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٢ / ٣٣ ، كتاب مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر وفي ١٣ / ٤١٩ ، كتاب التوحيد باب قول الله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيامة الآية (٢٣ ، ٢٤) الحديث (٧٤٣٤) ومسلم في الصحيح ١ / ٤٣٩ كتاب المساجد (٥) باب فضل صلاتي الصبح والعصر الحديث (٢١١ / ٦٣٣) وقوله : «لا تضامون» بضم التاء وتخفيف الميم من الضيم ، وهو الظلم ، قال الحافظ ابن حجر وهو الأكثر ، وفي نسخة بفتح التاء وتشديد الميم من التضامّ بمعنى التزاحم.
(٣) أخرجه مسلم في الصحيح ١ / ١٦٣ ، كتاب الإيمان باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى الحديث (٢٩٧ / ١٨١) و (٢٩٨ / ١٨١).