المبتدأ لو قلت : «من جاءني فأكرمته» لم يجز بخلاف تقديرنا ، فإنه لا بدّ فيه من الفاء ، ولا يجوز حذفها إلا في الشعر.
قال شهاب الدين (١) : «وهذا التقدير الذي قدّره الزمخشري سبقه إليه الكلبيّ ، فإنه قال : فمن أبصر صدّق وآمن بمحمد عليه الصلاة والسلام فلنفسه عمل ومن عمي فلم يصدّق فعلى نفسه جنى العذاب» (٢) وقوله : إن الفاء لا تدخل فيما ذكر قد ينازع فيه ، وإذا كانوا فيما يصلح أن يكون جوابا صريحا ، ويظهر فيه أثر الجازم كالمضارع يجوز فيه دخول الفاء نحو : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [البقرة : ٩٥] فالماضي بدخولها أولى وأحرى.
فصل في بيان عود المنافع للبشر
قال القاضي : إنه ـ تعالى ـ بيّن لنا أن المنافع تعود إلينا لا لمنافع تعود إلى الله تبارك وتعالى ، وأيضا إن المرء بعدوله عن النّظر يضرّ بنفسه ، ولم يؤت إلّا من قبله لا من قبل ربّه ، وأيضا إنه متمكّن من الأمرين ، فلذلك قال : (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) قال : وهذا يبطل قول المجبرة [في أنه ـ تعالى ـ يكلف بلا قدرة] وجوابه المعارضة بسؤال الداعي.
قوله تعالى : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي : برقيب أحصي عليكم أعمالكم ، إنما أنا رسوله أبلغكم رسالات ربي ، وهو الحفيظ عليكم الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
فصل في معنى الآية
قال المفسرون : هذا كان قبل الأمر بالقتال ، فلما أمر بالقتال صار حفيظا عليهم ، ومنهم من يقول : آية القتال ناسخة لهذه الآية الكريمة ، وهو بعيد ؛ لأن الأصل عدم النّسخ.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١٠٥)
لما شرع في إثبات النّبوّات بدأ بحكاية شبهات المنكرين لنبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
الشّبهة الأولى : قولهم : يا محمد إن هذا القرآن الذي جئتنا به كلام تستفيده من مدارسة العلماء ، وتنظّمه من عند نفسك ، ثم تقرؤه علينا ، وتزعم أنه وحي نزّل عليك من عند الله تعالى.
و «الكاف» في محلّ نصب نعت لمصدر محذوف ، فقدّره الزجاج : ونصرّف الآيات مثل ما صرّفناها فيما تلي عليكم ، وقدّره غيره : نصرّف الآيات في غير هذه السّورة
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٤٩.
(٢) ذكر الرازي في تفسيره ١٣ / ١١٠.