[قال شهاب الدين (١)](٢) : وكيف يؤيّده وليس شيء في اللّفظ يشهد له؟
قوله : (وَما أَنْتَ) يجوز أن تكون «ما» الحجازية ؛ فيكون «أنت» : اسمها ، و «بوكيل» : خبرها في محلّ نصب ، ويجوز أن تكون التّميميّة ؛ فيكون «أنت» : مبتدأ و «بوكيل» : خبره في محلّ رفع ، والباء زائدة على كلا التّقديرين ، و «عليهم» : متعلّق بوكيل قدّم لما تقدّم فيما قبله ، وهذه الجملة هي في معنى الجملة قبلها ؛ لأن معنى ما أنت وكيل عليهم ، هو بمعنى : ما جعلناك حفيظا عليهم ، أي : رقيبا.
واعلم أنه ـ تبارك وتعالى ـ لما بيّن أن لا قدرة لأحد على إزالة الكفر عنهم ، ختم الكلام بما يكمل معه تبصير الرّسول ؛ لأنّه لما بيّن له قدر ما جعل إليه ، فذكر أنّه ما جعله عليهم حفيظا ولا وكيلا ، وإنّما فوّض إليه البلاغ بالأمر ، والنّهي ، والبيان بذكر الدّلائل ، فإن انقادوا للقبول ، فنفعه عائد إليهم ، وإلا فضرره عائد إليهم.
قال عطاء : وما جعلناك عليهم حفيظا : تمنعهم منّي ، أي : لم تبعث لتحفظ المشركين من العذاب ، إنما بعثت مبلّغا ، وما أنت عليهم بوكيل على سبيل المنع لهم.
قوله تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٠٨)
اعلم أنّ متعلّق هذا بما قبله : أنّه لا يبعد أن بعض المسلمين كان إذا سمع قول المشركين للرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنّما جمعت هذا القرآن من مدارسة النّاس ، غضب ، وشتم آلهتهم المعارضة ، فنهى الله ـ تعالى ـ عن ذلك ؛ لأنّك متى شتمت آلهتهم ، غضبوا ، فربّما ذكر الله ـ تبارك وتعالى ـ بما لا ينبغي ، فلذلك وجب الاحتراز عن ذلك المقال ، وهذا تنبيه على أنّ الخصم إذا شافه خصمه بجهل وسفاهة ، لم يجز لخصمه أن يشافهه بمثل ذلك ، فإن ذلك يوجب فتح باب المشاتمة والسّفاهة ، وذلك لا يليق بالعقلاء.
فصل في المراد بالآية
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ لمّا نزل قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] قال المشركون : يا محمّد ، لتنتهينّ عن سب آلهتنا ، أو لنهجرنّ ربّك ؛ فنزلت هذه الآية (٣) ، وههنا إشكالان.
أحدهما : أن النّاس اتّفقوا على أن هذه السّورة نزلت دفعة واحدة ، فكيف يمكن أن يقال : سبب نزول هذه الآية الكريمة كذا.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٣.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٠٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٧١) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس وينظر : الرازي ١٣ / ١١٤.