والثالث : أنّه منصوب على أنّه واقع موقع الحال المؤكدة ؛ لأنّ السّبّ لا يكون إلا عدوا.
وقرأ الحسن (١) ، وأبو رجاء ، ويعقوب ، وقتادة ، وسلام ، وعبد الله بن زيد : «عدوا» بضم العين والدّال ، وتشديد الواو ، وهو مصدر أيضا ل «عدا» وانتصابه على ما تقدّم من الأوجه الثلاثة.
وقرأ ابن كثير (٢) في رواية ـ وهي قراءة أهل مكّة المشرفة (٣) فيما نقله النّحّاس : «عدوّا» بفتح العين ، وضمّ الدّال ، وتشديد الواو ، بمعنى : أعداء ، ونصبه على الحال المؤكدة ، و «عدوّ» يجوز أن يقع خبرا عن الجمع ، قال ـ تعالى ـ : (هُمُ الْعَدُوُّ) [المنافقون : ٤] ، وقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) [النساء : ١٠١] ، ويقال : عدا يعدو عدوا ، وعدوّا ، وعدوانا وعداء ، و (بِغَيْرِ عِلْمٍ) حال ، أي : «يسبّونه غير عالمين» أي : «مصاحبين للجهل» ؛ لأنّه لو قدّر حقّ قدره ، لما أقدموا عليه.
فصل في دحض شبهة للمعتزلة
قال الجبّائي (٤) : دلّت هذه الآية الكريمة ، على أنّه لا يجوز أن يفعل في الكفّار ما يزدادون به بعدا عن الحقّ ، إذ لو جاز أن يفعله ، لجاز أن يأمر به وكان لا ينهى عمّا ذكرنا ، ولا يأمر بالرّفق بهم عند الدّعاء ؛ كقوله لموسى ، ولهارون : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه : ٤٤] وذلك يبطل مذهب الجبرية.
قالوا : وهذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ الأمر بالمعروف ، قد يقبح إذا أدّى إلى ارتكاب منكر ، والنّهي عن المنكر يقبح إذا أدّى إلى زيادة منكر ، وغلبة الظّنّ قائمة مقام العلم في هذا الباب ، وفيه تأديب لمن يدعو إلى الدّين ؛ لئلا يتشاغل بما لا فائدة له في المطلوب ؛ لأنّ وصف الأوثان بأنّها جمادات لا تنفع ولا تضرّ ، يكفي في القدح في إلهيّتها ، فلا حاجة مع ذلك إلى شتمها.
قوله : «كذلك» : نعت لمصدر محذوف ، أي : زيّنّا لهؤلاء أعمالهم تزيينا ، مثل تزييننا لكلّ أمّة عملهم.
وقيل : تقديره : مثل تزيين عبادة الأصنام للمشركين (زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) وهو قريب من الأوّل ، والمعنى : زينّا لكل أمّة عملهم من الخير والشّر ، والطّاعة والمعصية ، ثم إلى ربّهم مرجعهم ، فينبّئهم ويجازيهم بما كانوا يعملون.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون الموضع السابق النشر ٢ / ٢٦١ المحتسب ١ / ٢٢٦ إتحاف فضلاء ٢ / ٢٦١.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٣.
(٣) ينظر : إعراب القرآن ١ / ٥٧٣.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١١٥.