أحدهما : ـ ولم يقل الزّمخشري غيره ـ أنّها وما عطف عليها من قوله : «ويذرهم» عطف على «يؤمنون» داخل في حكم (وَما يُشْعِرُكُمْ) ، بمعنى : «وما يشعركم أنّهم لا يؤمنون» «وما يشعركم أنّا نقلّب أفئدتهم وأبصارهم» ، «وما يشعركم أنّا نذرهم» وهذا يساعده ما جاء في التّفسير عن ابن عبّاس ، ومجاهد ، وابن زيد (١).
والثاني : أنّها استئناف إخبار ، وجعله أبو حيّان الظّاهر ، والظّاهر ما تقدّم.
و «الأفئدة» : جمع فؤاد ، وهو القلب ، ويطلق على العقل.
وقال الرّاغب (٢) : الفؤاد كالقلب ، لكن يقال له : فؤاد إذا اعتبر به معنى : «التّفؤد» أي : «التوقّد» يقال : «فأدت اللّحم» : «شويته» ومنه «لحم فئيد» أي : «مشويّ» وظاهر هذأ : أنّ الفؤاد غير القلب ، ويقال له : «فواد» بالواو الصّريحة ، وهي بدل من الهمزة ؛ لأنّه تخفيف قياسيّ ، وبه يقرأ ورش فيه وفي نظائره وصلا ووقفا ، وحمزة وقفا ويجمع على : أفئدة ، وهو جمع منقاس ، نحو : «غراب» ، و «أغربة» ويجوز «أفيدة» بياء بعد الهمزة ، وقرأ بها هشام في سورة إبراهيم (٣) ، وسيأتي إن ـ شاء الله تعالى ـ.
فصل في المراد من الآية
قال ابن عبّاس : يعني : ويحول بينهم وبين الإيمان ، فلو جئناهم بالآيات التي سألوا ما آمنوا بها كما لم يؤمنوا به أوّل مرّة ، [أي : كما لو يؤمنوا بما قبلها من الآيات من انشقاق القمر وغيره (٤).
وقيل : كما لو يؤمنوا به أوّل مرة](٥) ؛ يعني : معجزات موسى وغيره من الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ ؛ كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) [القصص : ٤٨].
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس : المرّة الأولى : دار الدنيا لو ردّوا من الآخرة إلى الدّنيا نقلّب أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان كما لم يؤمنوا في الدّنيا قبل مماتهم ؛ كقوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الأنعام : ٢٨].
فصل في بيان معنى التقليب
التّقليب ، والقلب واحد : وهو تحويل الشّيء عن وجهه ، وهذه الآية تدلّ على أنّ الكفر والإيمان بقضاء الله ، وقدره ، ومعنى تقليب الأفئدة والأبصار : هو أنه إذا جاءتهم الآيات القاهرة الّتي اقترحوها وعرفوا كيفيّة دلالتها على صدق الرّسول صلىاللهعليهوسلم [إلّا أنه
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٠٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٧٣) وعزاه لابن أبي حاتم.
(٢) ينظر : المفردات ٣٨٦.
(٣) الآية : ٣٧.
(٤) ينظر : القرطبي (٧ / ٤٤) والرازي (١٣ / ١٢٠) فقد ذكرا هذا المعنى.
(٥) سقط في ب.