تعالى](١) إذا قلب قلوبهم وأبصارهم على ذلك الوجه ، بقوا على الكفر ولم ينتفعوا بتلك الآيات (٢).
قال الجبّائي (٣) : معناه : ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم في جهنّم ، على لهيب النّار وجمرها ؛ لنعذّبهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّة في دار الدّنيا.
وقال الكعبي (٤) : المراد ب (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) : نفعل بهم كما نفعل بالمؤمنين من الفوائد والألطاف ، من حيث أخرجوا أنفسهم عن هذا الحدّ ؛ بسبب كفرهم.
وقال القاضي (٥) : المراد : ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم في الآيات الّتي ظهرت ، فلا تجدهم يؤمنون بها آخرا كما لم يؤمنوا بها أوّلا وهذه وجوه ضعيفة.
أما قول الجبّائي ؛ فمدفوع ؛ لأنه ـ تعالى ـ قال : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) ثم عطف عليه ، وقال : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) فقوله : «ونذرهم» ليس مما يحصل في الآخرة ، فكان سوءا للنّظم في كلام الله ـ تعالى ـ حيث قدّم المؤخّر ، وأخّر المقدم من غير فائدة.
وأما قول الكعبي ؛ فضعيف ؛ لأنه إنما استحق الحرمان والخذلان على زعمه ؛ بسبب أنّهم قلّبوا أفئدة أنفسهم فكيف يحسن إضافته إلى الله تعالى في قوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) أي : نقلب القلب من حالة إلى حالة ، ومن صفة إلى صفة وعلى ما يقوله القاضي فليس الأمر كذلك ، بل القلب باق على حالة واحدة إلّا أنّه ـ تعالى ـ أدخل التّقليب والتّبديل في الدّلائل.
فصل
إنما قدّم الله ـ تعالى ـ ذكر تقليب الأفئدة على تقليب الأبصار ؛ لأن موضع الدّواعي والصّوارف هو القلب [فإذا حصلت الدّاعية في القلب ، انصرف البصر إليه شاء أم أبى ، وإذا حصلت الصّوارف في القلب](٦) انصرف البصر عنه هو ، وإن كان يبصره بحسب الظاهر إلّا أنه لا يصير ذلك الإبصار سببا للوقوف على الفوائد المطلوبة وهو معنى قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) [الأنعام : ٢٥] ، فلما كان المعدن هو القلب ، وأما السّمع والبصر ؛ فهما آلتان للقلب كانا لا محالة تابعين لأحوال القلب ، فلهذا السّبب وقع الابتداء بذكر تقلّب القلوب ههنا ، ثم أتبعه بذكر السّمع.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٢٠.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١٢٠.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) سقط في أ.