قوله : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ) الكاف في محلّ نصب ، نعتا لمصدر محذوف و «ما» مصدريّة ، والتقدير كما قال أبو البقاء (١) : تقليبا ككفرهم عقوبة مساوية لمعصيتهم ، وقدّره الحوفيّ : فلا يؤمنون به إيمانا ثانيا ، كما لم يؤمنوا به أوّل مرة [وقيل : الكاف هنا للتّعليل ، أي : «نقلب أفئدتهم وأبصارهم ؛ لعدم إيمانهم أوّل مرّة».
وقيل : في الكلام حذف تقديره : «فلا يؤمنون به ثاني مرّة كما لم يؤمنوا به أوّل مرّة](٢).
وقال بعض المفسّرين : الكاف هنا معناها : المجازاة ، أي : «لمّا لم يؤمنوا به أوّل مرّة ، نجازيهم بأن نقلّب أفئدتهم عن الهدى ، ونطبع على قلوبهم» ، فكأنّه قيل : ونحن نقلّب أفئدتهم ؛ جزاء لما لم يؤمنوا به أوّل مرّة ، قاله ابن عطية (٣) قال أبو حيان (٤) وهو معنى التّعليل الذي ذكرناه ، إلا أن تسميته ذلك بالمجازاة غريبة لا تعهد في كلام النّحويّين.
قال شهاب الدّين (٥) : قد سبق ابن عطيّة إلى هذه العبارة.
قال الواحدي (٦) : وقال بعضهم : معنى الكاف في (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا) : معنى الجزاء ، ومعنى الآية : ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم ، عقوبة لهم على ترك الإيمان في المرّة الأولى ، والهاء في «به» تعود على الله ـ تعالى ـ ، أو على رسوله ، أو على القرآن ، أو على القلب المدلول عليه بالفعل ، وهو أبعدها ، و «أوّل مرّة» : نصب على ظرف الزّمان ، وقد تقدم تحقيقه.
وقرأ إبراهيم النّخعي (٧) : «ويقلّب ـ ويذرهم ـ» بالياء ، والفاعل ضمير الباري ـ تعالى ـ.
وقرأ الأعمش : «تقلّب أفئدتهم وأبصارهم» على البناء للمفعول ، ورفع ما بعده على قيامه مقام الفاعل ، كذا رواها الزّمخشري (٨) عنه ، والمشهور بهذه القراءة ، إنّما هو النّخعيّ أيضا ، وروي عنه : «ويذرهم» بياء الغيبة كما تقدّم وسكون الرّاء ، وخرّج أبو (٩) البقاء هذا التّسكين على وجهين :
أحدهما : التّسكين لتوالي الحركات.
والثاني : أنه مجزوم عطفا على «يؤمنوا» والمعنى : جزاء على كفرهم ، وأنّه لم يذرهم في طغيانهم ، بل بيّن لهم ، وهذا الثّاني ليس بظاهر ، و «يعمهون» في محلّ حال ، أو مفعول ثان ؛ لأن التّرك بمعنى : التّصيير.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٧.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٣٤.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٠٦.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٨.
(٦) ينظر : الرازي ١٣ / ١٢٢.
(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٨ إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٧.
(٨) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٨.
(٩) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٨.