لأن قولهم (لَوْ لا أُنْزِلَ) ليس مترتّبا على قوله : «لو لا نزّلنا» و «لو لا» هنا تحضيضيّة ، والضمير في «عليه» الظّاهر عوده على النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : يجوز أن يعود على الكتاب أو القرطاس.
والمعنى : لو لا أنزل مع الكتاب ملك يشهد بصحّته ، كما يروى في القصّة أنه قيل له : لن نؤمن لك حتى تعرج (١) فتأتي بكتاب ، ومعه أربعة ملائكة يشهدون ، فهذا يظهر على رأي من يقول : إنّ الجملة من قوله : (وَقالُوا : لَوْ لا أُنْزِلَ) معطوفة على جواب «لو» ، فإنّه يتعلّق به من حيث المعنى حينئذ.
فصل في دحض شبهة منكري النبوة
واعلم أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أجاب عن هذه الشّبهة بوجهين :
أحدهما : قوله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) ومعنى القضاء : الإتمام والإلزام ، والمعنى : ولو أنزلنا ملكا لم يؤمنوا ، وإذا لم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب ، وهذه سنّة الله تعالى في الكفّار.
والوجه الثاني : أنّهم إذا شاهدوا الملك زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ؛ لأنّ الآدمي إذا رأى الملك ، فإمّا أن يراه على صورته الأصليّة ، أو على صورة البشر ، فإن رآه على صورته الأصليّة غشي عليه ، وإن رآه على صورة البشر ، فحينئذ يكون المرئيّ شخصا على صورة البشر وذلك لا يتفاوت الحال فيه ، سواء كان هو ملكا أو بشرا ، ألا ترى أن جميع الرسل عاينوا الملائكة في صورة البشر كأضياف إبراهيم وأضياف لوط ، وخصّهم داود وجبريل حيث تخيّل لمريم بشرا سويا.
واعلم أنّ عدم إرسال الملك فيه مصالح :
أحدها : أن رؤية إنزال الملك على البشر آية قاهرة (٢) ، فبتقدير نزوله على الكفّار ، فربّما لم يؤمنوا ، كما قال الله تبارك وتعالى (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) إلى قوله : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : ١١١] ، وإذا لم يؤمنوا وجب إهلاكهم بعذاب الاستئصال(٣).
وثانيها : ما ذكرنا من عدم قدرتهم على رؤية الملائكة.
وثالثها : أنّ إنزال الملك معجزة قاهرة جارية مجرى الإلجاء ، وإزالة الاختيار ، وذلك يخلّ بمصلحة التكليف.
ورابعها : أنّ إنزال الملك وإن كان يدفع الشّبهات من الوجوه المذكورة ، لكنّه يقوّي الشّبهة من هذه الوجوه (٤).
__________________
(١) في ب : تفجر ، وعليه تكون آية الإسراء.
(٢) في أ : ظاهرة وفي الرازي ١٢ / ١٣٤ باهرة.
(٣) ينظر : الرازي ١٢ / ١٣٤.
(٤) ينظر : الرازي ١٢ / ١٣٤.