المشيئة ؛ لأنّها لو كانت قديمة لم يجز أن يقال ذلك ، كما لا يقال : لا يذهب زيد إلى البصرة ، إلّا أن يوحّد الله ، وتقريره : أنّا إذا قلنا لا يكون كذا إلّا أن يشاء الله ، فهذا يقتضي تعليق حدوث هذا الجزاء على حصول المشيئة ، فلو كانت المشيئة قديمة ، لكان الشّرط قديما ، ويلزم من حصول الشّرط ، حصول المشروط ، فيلزم كون الجزاء قديما ، والحس على أنّه محدث ، فوجب كون الشّرط حادثا ، وإذا كان الشّرط هو المشيئة لزم القول بكون المشيئة حادثة.
والجواب أنّ المشيئة وإن كانت قديمة ، إلّا أنّ تعلّقها بإحداث ذلك المحدث في الحال ، إضافة حادثة وهذا القدر يكفي لصحّة هذا الكلام. ثمّ قال ـ تعالى ـ : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) أي : يجهلون بأنّ الكلّ من قضاء الله وبقضائه وقدره.
وقالت (١) المعتزلة : المراد : أنّهم جهلوا أنهم يبقون كفّارا عند ظهور الآيات الّتي طلبوها ، والمعجزات التي اقترحوها وكان أكثرهم يظنّون ذلك.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ)(١١٢)
الكاف في «كذلك» في محلّ نصب ، نعتا لمصدر محذوف ، فقدّره الزّمخشري : «كما خلّينا بينك وبين أعدائك ، كذلك فعلّنا بمن قبلك».
وقال الواحدي : «وكذلك» منسوق على قوله : «و (كَذلِكَ زَيَّنَّا) أي : فعلنا ذلك كذلك (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) ، ثم قال : وقيل : معناه جعلنا لك عدوّا كما جعلنا لمن قبلك من الأنبياء ، فيكون قوله : «وكذلك» عطفا على معنى ما تقدّم من الكلام ، وما تقدّم يدلّ معناه على أنّه جعل له أعداء [والمراد : تسلية النّبي صلىاللهعليهوسلم ، أي : كما ابتليت بهؤلاء القوم ، فكذلك جعلنا لكلّ نبيّ قبلك أعداء](٢).
و «جعل» يتعدى لاثنين بمعنى : صيّر. وأعرب الزّمخشري ، وأبو البقاء (٣) والحوفي هنا نحو إعرابهم في قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [الأنعام : ١٠٠] فيكون المفعول الأول «شياطين الإنس» ، والثاني «عدوا» ، و «لكلّ» : حال من «عدوا» لأنّه صفته في الأصل ، أو متعلّق بالجعل قبله ، ويجوز أن يكون المفعول الأول «عدوّا» و «لكلّ» هو الثّاني قدّم ، و «شياطين» : بدل من المفعول الأوّل.
والإضافة في : «شياطين الإنس» يحتمل أن تكون من باب إضافة الصّفة لموصوفها ، والأصل : الإنس والجن الشّياطين ، نحو : جرد قطيفة ، ورجّحته ؛ بأنّ المقصود : التّسلّي والاتّساء بمن سبق من الأنبياء ، إذ كان في أممهم من يعادلهم ، كما في أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم ،
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٢٥.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٨.