ويحتمل أن تكون من الإضافة الّتي بمعنى اللام ، وليست من باب إضافة صفة لموصوف ، والمعنى : الشّياطين التي للإنس ، والشّياطين التي للجنّ ، فإن إبليس قسّم جنده قسمين : قسم متسلّط على الإنس ، وآخر على الجنّ ، كذا جاء في التّفسير. ووقع «عدوا» مفعولا ثانيا ل «شياطين» على أحد الإعرابين بلفظ الإفراد ؛ لأنّه يكتفى به في ذلك ، وتقدّم شواهده ، ومنه ما أنشده ابن الأنباري: [الطويل]
٢٢٨٦ ـ إذا أنا لم أنفع صديقي بودّه |
|
فإنّ عدوّي لن يضرّهم بغضي (١) |
فأعاد الضّمير من «يضرّهم» على «عدوّ» فدل على جمعيّته ؛ وكقوله تعالى : (ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) [الذاريات : ٢٤] ، (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا) [النور : ٣١] (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [العصر : ٢ ، ٣].
وقيل لا حاجة إلى هذا التّكليف ، والتّقدير وكذلك جعلنا لكلّ واحد من الأنبياء عدوّا واحدا ، إذ لا يجب أن يكون لكلّ واحد من الأنبياء أكثر من عدوّ واحد.
فصل في دلالة الآية
دلّ ظاهر قوله ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) على أنّه ـ تبارك وتعالى ـ هو الذي جعل أولئك الأعداء أعداء للنّبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا شكّ أن تلك العداوة معصية وكفر ، فهذا يقتضي أن خالق الخير ، والشّر ، والطّاعة ، والمعصية ، والإيمان والكفر هو الله تعالى.
وأجاب الجبّائي (٢) عنه ؛ بأن المراد من هذا الجعل : الحكم والبيان فإن الرّجل إذا حكم بكفر إنسان ، قيل : إنه كفّره ، وإذا أخبر عن عدالته ، قيل إنه عدّله ، فكذا ههنا أنّه ـ تعالى ـ لما بيّن للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كونهم أعداء له لا جرم قال : إنّه جعلهم أعداء له وأجاب الأصمّ (٣) : بأنه ـ تعالى ـ لما أرسل محمّدا صلىاللهعليهوسلم إلى العالمين ، وخصّه بتلك المعجزات ، حسدوه ، وصار ذلك الحسد سببا للعداوة القويّة فلهذا قال إنّه ـ تعالى ـ : جعلهم أعداء له ونظيره قول المتنبّي : [الطويل]
٢٢٨٧ ـ .......... |
|
وأنت الّذي صيّرتهم [لي] حسّدا (٤) |
وأجاب الكعبي (٥) عنه : بأنّه ـ تبارك وتعالى ـ أمر الأنبياء بعداوتهم ، وأعلمهم
__________________
(١) ينظر : البيت في تفسير الفخر الرازي ١٣ / ١٥٤ ، البحر ٤ / ٢٠٩ ، الدر المصون ٣ / ١٦٠.
(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٢٥.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) عجز بيت وصدره :
أزل حسد الحساد عني بكبتهم
ينظر : ديوان المتنبي ٢ / ١٢٦ ، والفخر الرازي ١٣ / ١٢٤.
(٥) ينظر : الرازي ١٣ / ١٢٥.