كونهم أعداء له ، وذلك يقتضي صيرورتهم أعداء للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ؛ لأنّ العداوة لا تحصل إلّا من الجانبين ، فلهذا جاز أن يقال : إنه ـ تعالى ـ جعلهم أعداء للأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ.
وهذه أجوبة ضعيفة لما تقدّم أنّ الأفعال مسندة إلى الدّواعي ، وهي حادثة من قبل الله ـ تعالى ـ ، وإذا كان كذلك ، صحّ مذهبنا ، ثم ههنا بحث آخر ، وهو أنّ العداوة ، والصداقة يمتنع أن تحصل باختيار الإنسان ؛ فإن الرّجل قد يبلغ في عداوة غيره إلى حيث لا يقدر ألبتّة على إزالة تلك الحالة عن قلبه ، بل قد لا يقدر على إخفاء آثار تلك العداوة ، ولو أتى بكل تكلّف وحيلة ، لعجز عنه ، ولو كان حصول العداوة والصّداقة في القلب باختيار الإنسان ، لوجب أن يكون الإنسان متمكنا من قلب العداوة بالصّداقة ، وبالعكس ، فكيف لا ، والشّعراء عرفوا أنّ ذلك خارج عن الوسع قال المتنبّي : [المتقارب]
٢٢٨٨ ـ يراد من القلب نسيانكم |
|
وتأبى الطّباع على النّاقل (١) |
والعاشق الّذي يشتد عشقه [قد] يحتال بجميع الحيل في إزالة عشقه ، ولا يقدر عليه ، ولو كان حصول ذلك الحبّ والبغض باختياره ، لما عجز عن إزالته.
فصل في معنى الآية
قال عكرمة ، والضّحّاك ، والكلبي (٢) : المعنى : شياطين الإنس الّتي مع شياطين الجنّ ، وذلك أنّ إبليس قسّم جنده فريقين ، فبعث فريقا منهم إلى الإنس ، وفريقا إلى الجنّ ، وكلا الفريقين أعداء للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم ولأوليائه ، وهم يلتقون في كل حين ، فيقول شيطان الإنس لشيطان الجنّ : أضللت صاحبي بكذا ، فأضلل صاحبك بمثله ، ويقول شيطان الجن لشيطان الإنس كذلك. فلذلك وصّى بعضهم إلى بعض.
وقال قتادة ، ومجاهد ، والحسن : إن من الإنس شياطين ، كما أن من الجنّ شياطين (٣) ، والشّيطان الثّاني المتمرد من كلّ شيء.
قالوا : إن الشّيطان إذا أعياه المؤمن ، وعجز عن إغوائه ، ذهب إلى متمرّد من الإنس ، وهو شيطان الإنس ، فأغراه بالمؤمن ليفتنه ، يدلّ عليه ما روي عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل تعوّذت بالله من شياطين الجنّ والإنس ، قلت يا رسول الله ، وهل للإنس من شياطين ، قال: نعم ، هم شرّ من شياطين الجن (٤).
__________________
(١) ينظر : ديوان المتنبي ٢ / ١٧. والفخر الرازي ١٣ / ١٢٦.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٤٥).
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٧٤) وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر.
وذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٤٥) عن ابن عباس وضعفه.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣١٤ ـ ٣١٥) وأحمد (٥ / ١٧٨) من حديث أبي ذر.
وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٣١٢) وقال : هذا فيه انقطاع.