وقال مالك بن دينار : إن شياطين الإنس أشد عليّ من شياطين الجنّ ، وذلك أنّي إذا تعوّذت بالله ، ذهب عني شيطان الجنّ ، وشيطان الإنس يجيبني ، فيجرّني إلى المعاصي (١).
قوله : «يوحي» يحتمل أن يكون مستأنفا ، أخبر عنهم بذلك ، وأن يكون حالا من «شياطين» وأن يكون وصفا ل «عدوّا» وقد تقدّم أنه واقع موقع أعداء ، فلذلك عاد الضّمير عليه جمعا في قوله «بعضهم» انتهى.
فصل في معنى قوله : «يوحي»
الوحي : هو عبارة عن الإيماء ، والقول السّريع ، والزّخرف هو الذي يكون باطنه باطلا ، وظاهر مزيّنا ، يقال : فلان يزخرف كلامه ، إذا زيّنه بالباطل والكذب ، وكلّ شيء حسن مموّه ، فهو مزخرف والزّخرف : الزّينة ، وكلام مزخرف ، [أي] : منمّق ، وأصله الذّهب ، ولما كان الذّهب معجب لكل أحد ، قيل لكل مستحسن مزين : زخرف.
وقال أبو عبيدة : كل ما حسّنته ، وزيّنته ، وهو باطل : فهو زخرف ، وهذا لا يلزم ، إذ قد يطلق على ما هو زينة حقّ ، وبيت مزخرف ، أي : مزيّن بالنّقش ، ومنه الحديث : أنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزّخرف فنحّي يعني : أنهم كانوا يزيّنون الكعبة بنقوش وتصاوير مموّهة بالذّهب ، فأمر بإخراجها.
قوله : «غرورا» قيل : نصب على المفعول له ، أي : لا يغرّوا غيرهم.
وقيل : هو مصدر في موضع الحال ، أي : غارّين ، وأن يكون منصوبا على المصدر ؛ لأن العامل فيه بمعناه ، كأنه قيل : «يغرّون غرورا بالوحي».
قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) ما ألقوه من الوسوسة في القلوب ، وقد تقدّم الكلام في المشيئة ومدلولها مع المعتزلة.
قوله : (وَما يَفْتَرُونَ) «ما» موصولة اسميّة ، أو نكرة موصوفة ، والعائد على كلا هذين القولين محذوف ، أي : «وما يفترونه» أو مصدريّة ، وعلى كلّ قول فمحلّها نصب ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنها نسق على المفعول في : «فذرهم» أي : اتركهم ، واترك افتراءهم.
والثاني : أنّها مفعول معه ، وهو مرجوح ؛ لأنه متى أمكن العطف من غير ضعف في التركيب ، أو في المعنى ، كان أولى من المفعول معه.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ يريد بقوله : (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) : ما زيّن لهم إبليس وغرّهم (٢).
__________________
(١) ذكره أبو حيان في «البحر المحيط» ٤ / ٢١٠.
(٢) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١٣ / ١٢٨) وكذلك أبو حيان في «البحر المحيط» (٤ / ٢١٠).