والمراد بهم : علماء اليهود والنّصارى الذين آتيناهم التّوراة والإنجيل.
وقيل : هم مؤمنوا أهل الكتاب ، وقال عطاء : رؤساء أصحاب النّبيّ صلىاللهعليهوسلم (١) والمراد بالكتاب: القرآن العظيم ، يعلمون أنه منزّل.
قرأ (٢) ابن عامر ، وحفص عن عاصم : (مُنَزَّلٌ) بتشديد الزّاي ، والباقون بتخفيفها ، وقد تقدّم : أنّ أنزل ونزّل لغتان ، أو بينهما فرق ، و (مِنْ رَبِّكَ) لابتداء الغاية مجازا ، و «بالحقّ» حال من الضّمير المستكنّ في «منزّل» أي : ملتبسا بالحقّ ، فالباء للمصاحبة.
قوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أي : من الشّاكين أنّهم يعلمون ذلك.
وقيل : هذا من باب التّهييج والإلهاب ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤].
وقيل : هذا خطاب لكلّ أحد ، والمعنى : لما ظهرت الدّلائل ، فلا ينبغي أن يمتري فيه أحد.
وقيل : هذا الخطاب وإن كان في الظّاهر للرّسول ، إلّا أن المراد أمته.
قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١١٥)
في نصب (صِدْقاً وَعَدْلاً) ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكونا مصدرين في موضع الحال ، أي : تمّت الكلمات صادقات في الوعد ، عادلات في الوعيد.
الثاني : أنهما نصب على التّمييز.
قال ابن عطيّة (٣) : «وهو غير صواب» وممن قال بكونه تمييزا : الطّبريّ ، وأبو البقاء (٤).
الثالث : أنهما نصب على المفعول من أجله ، أي : تمّت لأجل الصّدق والعدل الواقعين منهما ، وهو محلّ نظر ، ذكر هذا الوجه أبو البقاء (٥).
وقرأ الكوفيّون هنا ، وفي يونس في قوله : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) [يونس : ٣٣] ، (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) [يونس : ٩٦] موضعان ، وفي غافر : (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) [غافر : ٦] «كلمة» بالإفراد ، وافقهم ابن كثير ، وأبو عمرو على
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٤٧).
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٦٥ السبعة ٢٦٦ إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٨ النشر ٢ / ٢٦٢.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٣٧.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٩.
(٥) ينظر : المصدر السابق.