وصاحبها بالأجنبيّ ، وهو : (صِدْقاً وَعَدْلاً) إلا أن يجعل (صِدْقاً وَعَدْلاً) : حالا من «ربّك» لا من «الكلمات».
قال شهاب الدّين (١) : فإنه إذا جعل (صِدْقاً وَعَدْلاً) : حالا من «ربّك» لم يلزم منه فصل ؛ لأنّهما حالان لذي حال ، ولكنّ قاعدته تمنع تعدّد الحال لذي حال واحدة ، وتمنع أيضا مجيء الحال من المضاف إليه ، وإن كان المضاف بعض الثّاني ، ولم يمنع هنا بشيء من ذلك ، والرسم في «كلمات» في المواضع الّتي أشرت [إلى] اختلاف القرّاء فيها محتمل لخلافهم ، فإنه في المصحف الكريم من غير ألف بعد الميم.
[وقوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ) ، (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) «إن» نافية ، بمعنى : ما في الموضعين «والخرص» : الحزر ويعبر به عن الكذب والافتراء ، وأصله من التّظنّي ، وهو قول ما لم يستيقن ، ويتحقق ؛ قاله الأزهري (٢).
ومنه خرص النّخل ، يقال : «خرصها» الخارص خرصا ، فهي «خرص» فالمفتوح مصدر ، والمكسور بمعنى : مفعول ؛ كالنّقض والنّقض ، والذّبح والذّبح](٣).
فصل في معنى الآية
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ معنى (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) : لا رادّ لقضائه ولا مغيّر لحكمه ، ولا خلف لوعده ، وهو السّميع العليم (٤).
وقيل المراد ب «الكلمات» : القرآن لا مبدّل له لا يزيد فيه المفترون ، ولا ينقصون ؛ كقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].
وقيل : المراد : أنها محفوظة عن التّناقض ؛ كقوله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
وقيل المراد : أنّ أحكام الله ـ تبارك وتعالى ـ لا تقبل التّبديل والزّوال ؛ لأنّها أزليّة ، والأزليّ لا يزول ، وهذا الوجه أحد الأصول القويّة في إثبات الخير ؛ لأنه ـ تبارك وتعالى ـ لمّا حكم على زيد بالسّعادة ، وعلى عمرو بالشّقاوة ، ثمّ قال : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) لزم منه امتناع أن يقلب السّعيد شقيّا ، والشّقي سعيدا ، وهو معنى قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة.
قوله تعالى : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)(١١٦)
لمّا أجاب عن شبه الكفّار ، وبيّن صحّة نبوة محمّد صلىاللهعليهوسلم بالدليل ، بيّن بعد زوال
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٦٥.
(٢) ينظر : تهذيب اللغة ٧ / ١٣٠.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي (٧ / ٤٧) والبحر المحيط ٤ / ٢١٢).