الشّبهة ، وظهور الحجّة ، أنه لا ينبغي للعاقل أن يلتفت إلى كلمات الجهّال ، وهذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ أكثر أهل الأرض كانوا ضلالا.
وقيل : إنّهم جادلوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين في أكل الميتة ، فقالوا : تأكلون ما تقتلون ، ولا تأكلون ما قتله الله ، فقال الله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) أي : أن تطعهم في أكل الميتة ، يضلّوك عن سبيل الله ، أي : عن الطّريق الحقّ ، ثم قال : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) يريد : أنّ دينهم الذي هم عليه ظنّ ، وهوى لم يأخذوه على بصيرة (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) : يكذبون في ادّعاء القطع.
فصل في رد شبهة نفاة القياس
تمسّك نفاة القياس بهذه الآية الكريمة ؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ بالغ في ذمّ الكفّار في كثير من آيات القرآن العظيم بكونهم متّبعين للظّنّ ، والشّيء الّذي جعله الله ـ تبارك وتعالى ـ موجبا للذّمّ ، [لا بد وأن يكون في أقصى مراتب الذّمّ ، والعمل بالقياس يوجب اتّباع الظّنّ ، فوجب كونه مذموما](١) محرما لا يقال : لما ورد الدّليل القاطع بكونه حجّة ، كان العمل به عملا بدليل مقطوع ، لا بدليل مظنون ؛ لأن هذا مدفوع من وجوه :
الأوّل : أن ذلك الدّليل القاطع : إمّا أن يكون عقليّا ، أو سمعيا ، والأوّل باطل ؛ لأنّ العقل لا مجال له في أنّ العمل بالقياس جائز ، أو غير جائز ، ولا سيّما عند من ينكر تحسين العقل وتقبيحه.
والثاني أيضا باطل ؛ لأن الدّليل السّمعي إنّما يكون قاطعا لو كان متواترا ، وكانت الدّلالة قاطعة غير محتملة لوجه آخر سوى هذا المعنى الواحد ، ولو حصل مثل هذا الدّليل ، لعلم النّاس بالضّرورة كون القياس حجّة ، ولارتفع الخلاف فيه ، فحيث لم يوجد ذلك ، علمنا أن الدّليل القاطع على صحّة القياس مفقود.
الثاني : هب أنه وجد الدّليل القاطع على أن القياس حجّة ، إلّا أنّ ذلك لا يتم العمل بالقياس إلّا مع اتّباع الظّنّ ؛ لأن التّمسّك بالقياس مبنيّ على مقامين : أحدهما : أن الحكم في محلّ الوفاق معلّل بكذا.
والثاني : أن ذلك المعنى حاصل في محلّ الخلاف ، فهذان المقامان إن كانا معلومين على سبيل القطع واليقين ، فهذا ممّا لا خلاف في صحّته بين العقلاء ، وإن كان مجموعهما أو كان أحدهما ظنّيّا ؛ فحينئذ لا يتمّ العمل بهذا القياس إلّا بمتابعة الظّنّ ، وحينئذ يدخل تحت النّصّ الدّال على أنّ متابعة الظّنّ مذمومة.
والجواب : لم لا يجوز أن يقال : إن الظّنّ عبارة عن الاعتقاد الرّاجح إذا لم يسند
__________________
(١) سقط في ب.