وجعلته مشكلا ، وأصله من التّستّر بالثوب ، ومنه لبس الثوب ؛ لأنه يفيد ستر النفس ، والمعنى : إذا جعلنا الملك في صورة البشر ، فهم يظنون أن ذلك الملك بشرا ، فيعود سؤالهم أنّا لا نرضى برسالة هذا الشّخص ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(١٠)
قرأ حمزة (١) ، وعاصم ، وأبو عمرو بكسر الدّال على أصل التقاء السّاكنين ، والباقون (٢) بالضم على الإتباع ، ولم يبال بالساكن ؛ لأنه حاجز غير حصين وقد تقرّرت هذه القاعدة بدلائلها في سورة «البقرة» عند قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ) [الآية ١٧٣] و «برسل» متعلّق ب «استهزىء» و «من قبلك» صفة ل «رسل» ، وتأويله ما تقدّم في وقوع «من قبل» صلة (٣).
والمراد من الآية : التّسلية لقلب الرسول صلىاللهعليهوسلم أي : أن هذه الأنواع الكثيرة التي يعاملونك بها كانت موجودة في سائر القرون.
قوله : (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا) ، فاعل «حاق» : «ما كانوا» ، و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، والعائد «الهاء» في «به» ، و «به» يتعلّق ب «يستهزئون» ، و «يستهزئون» خبر ل «كان» ، و «منهم» متعلّق ب «سخروا» على أنّ الضمير يعود على الرّسل ، قال تبارك وتعالى : (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) [هود : ٣٨].
ويجوز أن يتعدّى بالباء نحو : سخرت به ، ويجوز أن يتعلّق «منهم» بمحذوف على أنّه حال من فاعل «سخروا» والضمير في «منهم» يعود على الساخرين.
وقال أبو البقاء (٤) : «على المستهزئين».
وقال الحوفي (٥) : «على أمم الرسل».
وقد ردّ أبو حيّان على الحوفي بأنه يلزم إعادته على غير مذكور.
وجوابه أنه في قوة المذكور ، وردّ على أبي البقاء بأنه يصير المعنى : فحاق بالذين سخروا كائنين من المستهزئين ، فلا حاجة إلى هذه الحال ؛ لأنها مفهومة من قوله : «سخروا» وجوّزوا أن تكون «ما» مصدريّة ، ذكره أبو حيّان ولم يتعرض (٦) للضمير في «به».
__________________
(١) ينظر : السبعة ١٧٤ ، النشر ٢ / ٢٤٧ ، البحر المحيط ٤ / ٨٥ ، الدر المصون ٣ / ١٤.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٥ ، الدر المصون ٣ / ١٤.
(٣) في أ : صفة.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٦ والدر المصون ٣ / ١٥.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٥ الدر المصون ٣ / ١٥.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٥.