(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] فذكر الإحسان مرّتين ، والإساءة مرّة واحدة ، ومعنى قوله ـ تعالى ـ : (أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، أي : يجازي كلّا بما يستحقّون.
قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (١١٩)
في هذه الفاء وجهان :
أحدهما : أنّها جواب شرط مقدّر.
قال الزّمخشريّ بعد كلام : فقيل للمسلمين : إن كنتم متحقّقين بالإيمان ، فكلوا [وذلك أنّهم كانوا يقولون للمسلمين : إنّكم تزعمون أنّكم تعبدون الله ، فما قتله الله أحقّ أن تأكلوا ممّا قتلتموه أنتم ، وقال الله ـ تعالى ـ للمسلمين : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)](١).
والثاني : أنها عاطفة على محذوف.
قال الواحدي : «ودخلت الفاء للعطف على ما دلّ عليه أوّل الكلام ، كأنه قيل : كونوا على الهدى ، فكلوا». والظّاهر : أنّها عاطفة على ما تقدّم من مضمون الجمل المتقدّمة ، كأنه قيل : «اتّبعوا ما أمركم الله تعالى من أكل المذكّى دون الميتة ، فكلوا».
فإن قيل : إنهم كانوا يبيحون أكل ما ذبح على اسم الله ـ تعالى ـ ، ولا ينازعون فيه ، وإنما النّزاع في أنّهم أيضا كانوا يبيحون أكل الميتة ، والمسلمون كانوا يحرّمونها ، وإذا كان كذلك ، كان ورود الأمر بإباحة ما ذكر اسم الله عليه عبئا ؛ لأنّه يقتضي إثبات الحكم في المتّفق عليه ، وترك الحكم في المختلف فيه.
فالجواب : لعلّ القوم كانوا يحرّمون أكل المذكّاة ، ويبيحون أكل الميتة ، فالله ـ تبارك وتعالى ـ ردّ عليهم في الأمرين ، فحكم بحلّ المذكّاة بقوله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وبتحريم الميتة بقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) أو يحمل قوله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) على أن المراد : اجعلوا أكلكم مقصورا على ما ذكر اسم الله عليه ، فيكون المعنى على هذا الوجه ، تحريم أكل الميتة فقط.
قوله : (وَما لَكُمْ) مبتدأ وخبر ، وقوله : (أَلَّا تَأْكُلُوا) فيه قولان :
أحدهما : هو على حذف حرف الجرّ ، أي : أيّ شيء استقرّ في منع الأكل ممّا ذكر اسم الله عليه ؛ وهو قول أبي إسحاق (٢) الزّجّاج ، فلما حذفت «في» جرى القولان
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣١٤.