يعاقب المذنب على الذّنب ، إلا أنّ المسلمين أجمعوا على أنّه إذا تاب ، لم يعاقب ، وأهل السّنّة زادوا شرطا ، وهو أنّه ـ تبارك وتعالى ـ قد يعفو عن المذنب ؛ لقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] الآية.
قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (١٢١)
لما بين حلّ كلّ ما ذبح على اسم الله ـ تعالى ـ ذكر بعده تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، ويدخل فيه الميتة ، وما ذبح على ذكر الأصنام.
قال عطاء : كل ما لم يذكر اسم الله عليه من طعام أو شراب ، فهو حرام ؛ لعموم الآية (١).
وقال ابن عبّاس : الآية الكريمة في تحريم الميتات وما في معناها (٢) ، ونقل عن عطاء الآية الكريمة ، وفي تحريم الذّبائح الّتي كانوا يذبحونها على اسم الأصنام ، واختلف العلماء ـ رضي الله عنهم ـ في ذبيحة المسلم ، إذا لم يذكر اسم الله عليه.
فذهب قوم إلى تحريمها سواء ترك التّسمية عامدا أو ناسيا ، وهو قول ابن سيرين ، والشّعبي ، وأحمد في رواية ، وطائفة من المتكلّمين لظاهر الآية الكريمة.
وذهب قوم إلى تحليلها ، يروى ذلك عن ابن عبّاس (٣) ، وهو قول مالك ، والشّافعي ، وأحمد في رواية.
وذهب قوم إلى أنه إن ترك التّسمية عامدا ، لم يحلّ ، وان تركها سهوا ، أحلت ، وهو قول الثّوري ، وأصحاب الرّأي ، ومذهب أحمد.
ومن أباحها ، قال : المراد من الآية الكريمة : الميتات ، وما ذبح على غير اسم الله ؛ لقوله : «وإنه لفسق» والفسق في غير ذكر اسم الله ؛ كما قال في آخر السّورة العظيمة : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) ... إلى قوله (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) وأجمع المسلمون على أنّه لا يفسّق آكل ذبيحة المسلم الذي ترك التّسمية ، وأيضا : قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) وهذه المناظرة إنّما كانت في مسألة الميتة على أنّ المشركين قالوا للمسلمين : ما يقتله الصّقر والكلب تأكلونه ، وما يقتله الله
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٣٨) عن عطاء.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٧٨) وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٧٨) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس بلفظ : من ذبح فنسي أن يسمي فليذكر اسم الله عليه وليأكل ولا يدعه للشيطان إذا ذبح على الفطرة فإن اسم الله في قلب كل مسلم.