قوله : «ليجادلوكم» متعلّق ب «يوحون» أي : «يوحون لأجل مجادلتكم» ، وأصل «يوحون» يوحيون ؛ فأعلّ.
قوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) قيل : إنّ التّوطئة للقسم ، فلذلك أجيب القسم المقدّر بقوله : (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) وحذف جواب الشّرط ؛ لسدّ جواب القسم مسدّه.
وجاز الحذف ؛ لأن فعل الشّرط ماض.
وقال أبو البقاء (١) : حذف الفاء من جواب الشّرط ، وهو حسن إذا كان الشّرط بلفظ الماضي ، وهو ههنا كذلك ، وهو قوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ).
قال شهاب الدّين (٢) : كأنه زعم : أنّ جواب الشّرط هو الجملة من قوله : (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) والأصل : «فإنكم» بالفاء ؛ لأنّها جملة اسميّة ، ثم حذفت الفاء ؛ لكون فعل الشّرط بلفظ المضيّ ، وهذا ليس بشيء ؛ فإن القسم مقدّر قبل الشّرط ويدل على ذلك حذف اللّام الموطّئة قبل «إن» الشّرطية ، وليس فعل الشّرط ماضيا ؛ كقوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَ) [الأعراف : ٢٣] فههنا لا يمكنه أن يقول : إن الفاء محذوفة ؛ لأن فعل الشّرط مضارع ، وكأن أبا البقاء ـ والله أعلم ـ أخذ هذا من الحوفي ؛ فإني رأيته فيه كما ذكره أبو البقاء ، وردّه أبو حيّان بنحو ما تقدم.
فصل في معنى الآية
والمعنى : وإن أطعتموهم في استحلال الميتة ، إنكم لمشركون ، وإنّما سمّي مشركا ؛ لأنه أثبت حاكما سوى الله ، وهذا هو الشّرك.
وقال الزّجّاج : وفيه دليل على أنّ كلّ من أحلّ شيئا مما حرّم الله ، وحرّم ما أحلّ الله ، فهو مشرك.
قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٢٢)
لما ذكر تعالى في الآية الأولى ؛ أنّ المشركين يجادلون المؤمنين في دين الله ـ تعالى ـ ذكر مثلا يدلّ على حال المؤمن المهتدي ، وعلى حال الكافر الضال فبيّن أن المؤمن بمنزلة من كان ميتا ؛ فجعل حيّا بعد ذلك ، وأعطي نورا يهتدي به في مصالحه ، وأنّ الكافر بمنزلة المنغمس في ظلمات لا خلاص له منها ، فيكون متحيّرا دائما.
قوله : (أَوَمَنْ كانَ) تقدّم أن الهمزة يجوز أن تكون مقدّمة على حرف العطف ، وهو رأي الجمهور ، وأن تكون على حالها وبينها وبين الواو فعل مضمر ، و «من» في محلّ رفع
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٧٠.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٨١) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.