وقال مقاتل : نزلت في النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وأبي جهل ، وذلك أنّه قال : زاحمنا بنو عبد مناف في الشّرف ، حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منّا نبيّ يوحى إليه ، والله لا نؤمن به إلّا أن يأتينا وحي كما يأتيه ، فنزلت الآية الكريمة (١).
القول الثاني : أنّ هذه الآية الكريمة عامّة في حقّ المؤمنين والكافرين ، وهذا هو الحقّ ؛ لأن تخصيص العامّ بغير دليل تحكّم ؛ وأيضا : فلقولهم إن السّورة نزلت دفعة واحدة ، فالقول بأنّ سبب هذه الآية الكريمة المعيّنة كذا وكذا مشكل.
قوله : (كَذلِكَ زُيِّنَ) نعت لمصدر ، فقدّره بعضهم : «زيّن للكافرين تزيينا كما أحيينا المؤمنين» وقدّره آخرون : «زين للكافرين تزيينا لكون الكافرين في ظلمات مقيمين فيها» والفاعل المحذوف من «زيّن» المنوب عنه هو الله ـ تعالى ـ ويجوز أن يكون الشّيطان ، وقد صرّح بكلّ من الفاعلين مع لفظ «زيّن» ، قال ـ تعالى ـ : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) [النمل : ٤] ، وقال ـ تعالى ـ : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) [العنكبوت : ٣٨] ، و (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) : هو القائم مقام الفاعل ، و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسميّة أو حرفيّة أو نكرة موصوفة والعائد على القول الأول والثالث محذوف ، دون الثاني عند الجمهور ، على ما عرف غير مرّة.
وقال الزجاج (٢) : «موضع الكاف رفع ، والمعنى : مثل ذلك الذي قصصنا عليك ، زيّن للكافرين أعمالهم».
فصل في بيان خلق الأفعال
دلّت هذه الآية الكريمة على أن الكفر ، والإيمان من الله تعالى ؛ لأن قوله «فأحييناه» وقوله: (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) كناية عن المعرفة ، والهدى ؛ وذلك يدلّ على أنّ هذه الأمور من الله ـ تبارك وتعالى ـ والدلائل العقلية ساعدت على صحّته ، وهو دليل الداعي المتقدم.
وأيضا فالعاقل لا يختار الجهل ، والكفر لنفسه ؛ فمن المحال أن يختار الإنسان جعل نفسه كافرا جاهلا ، فلما قصد لتحصيل الإيمان والمعرفة ، ولم يحصل له ذلك ، وإنما حصل ضدّه ، وهو : الكفر ، والجهل ؛ علمنا أنّ ذلك بإيجاد غيره.
فإن قيل : إنّما اختاره لاعتقاده في ذلك الجهل ، أنّه علم.
فالجواب : أنّ حاصل هذا الكلام أنه إنما اختار هذا الجهل لسابقة جهل آخر ، والكلام في ذلك الجهل السّابق كما في المسبوق كذلك إلى غير نهاية ، فوجب الانتهاء إلى جهل يحصل فيه لا بإيجاده ، وهو المطلوب.
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣١٧.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٦٣.