هنا ، وفي الحديث : «أحاسنكم أخلاقا» (١) وجاز أن يفرد ، وقد أجمع على ذلك في قوله : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ) [البقرة : ٩٦].
فصل
قال الزجاج : إنما جعل المجرمين أكابر لأنهم لأجل رياستهم أقدر على المكر [والغدر](٢) ، وترويج الأباطيل على الناس من غيرهم ، ولأن كثرة المال ، والجاه تحمل الناس على المبالغة في حفظها ، وذلك الحفظ لا يتمّ إلّا بجميع الأخلاق الذّميمة : من الغدر ، والمكر ، والكذب ، والغيبة ، والنميمة ، والأيمان الكاذبة ، ولو لم يكن للمال والجاه سوى أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ وصف بهذه الصفات الذّميمة من كان له مال وجاه لكفى ذلك دليلا على خساسة المال والجاه.
قوله : (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ).
والمراد ما ذكره الله تعالى في قوله : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر : ٤٣].
واعلم أنّ سنّة الله [ـ تبارك و] تعالى ـ أنه يجعل في كلّ قرية أتباع الرسل ضعافهم لقوله في قصة نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء : ١١١] وجعل فساقهم أكابرهم ليمكروا فيها ، وذلك أنهم أجلسوا في كلّ طريق من طرق مكّة [المشرفة](٣) أربعة نفر (٤) ليصرفوا النّاس عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم يقولون لكل من يقدم : إياكم وهذا الرجل ، فإنه كاهن ، ساحر ، كذّاب.
وقوله : (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) [لأنّ وبال مكرهم عليهم وهم ما يشعرون أنه كذلك.
قالت المعتزلة : «وما يمكرون إلّا بأنفسهم»](٥) مذكور في معرض التهديد ، والزّجر ، فلو كان ما قبل هذه الآية الكريمة ، يدلّ على أنه تعالى أراد منهم أن يمكروا بالناس ـ فكيف يليق بالرّحيم الحكيم أن يريد منهم المكر ، ويخلقه فيهم ، ثمّ يهدّدهم عليه ، ويعاقبهم أشدّ العقاب ، ومعارضتهم تقدّمت مرارا.
قوله تعالى : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ)(١٢٤)
قال المفسّرون (٦) : إنّ الوليد بن المغيرة قال : والله لو كانت النّبوّة حقا لكنت أولى
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) انظر تفسير الرازي (١٣ / ١٤٣).
(٦) انظر المصدر السابق.