وقيل : الصغار في الدنيا ، وعذاب شديد في الآخرة.
قوله : (عِنْدَ اللهِ) يجوز أن ينتصب ب «يصيب» ويجوز أن ينتصب ب «صغار» ؛ لأنه مصدر ، وأجازوا أن يكون صفة ل «صغار» ؛ فيتعلق بمحذوف ، وقدّره الزجاج (١) فقال : «ثابت عند الله تعالى».
والصّغار : الذلّ والهوان ، يقال منه : صغر يصغر صغرا وصغرا وصغارا ، فهو صاغر.
وأمّا ضدّ الكبر فيقال منه : صغر يصغر صغرا فهو صغير ، هذا قول اللّيث ، فوقع الفرق بين المعنيين بالمصدر ، والفعل.
وقال غيره : إنه يقال : صغر ، وصغر من الذل.
والعنديّة هنا : مجاز عن حشرهم يوم القيامة ، أو عن حكمه وقضائه بذلك ؛ كقولك : ثبت عند فلان القاضي ، أي : في حكمه ، ولذلك قدّم الصّغار على العذاب ؛ لأنه يصيبهم في الدنيا.
و (بِما كانُوا) الباء للسببيّة أي : إنما يصيبهم ذلك بسبب مكرهم ، وكيدهم ، وحسدهم و «ما» مصدرية ، ويجوز أن تكون بمعنى الذي.
قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(١٢٥)
قال المفسّرون : لمّا نزلت هذه ، سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن شرح الصّدر ، قال : «نور يقذفه الله ـ تعالى ـ في قلب المؤمن ، فينشرح له وينفسح» (٢) قيل : فهل لذلك أمارة. قال : «نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتّجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله».
قوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) كقوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) و «من» يجوز أن تكون مرفوعة بالابتداء ، وأن تكون منصوبة بمقدّر بعدها على الاشتغال ، أي : من يوفّق الله يرد أن يهديه ، و (أَنْ يَهْدِيَهُ) مفعول الإرادة ، والشّرح : البسط والسّعة ، قاله الليث.
وقال ابن قتيبة (٣) : «هو الفتح ، ومنه : شرحت اللّحم ، أي : فتحته» وشرح الكلام :
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣١٨.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٣٣٦) والحاكم (٤ / ٣١١) وابن أبي شيبة (٣ / ٢٢٢) من حديث ابن مسعود.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٨٣) وزاد نسبته لابن أبي الدنيا وأبي الشيخ وابن مردويه والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٣) ينظر : المشكل (١٥٩).