قال شهاب الدين (١) : «ولا أدري كيف توهّم كون هذه الهاء الدّالّة على الوحدة في مفرد أسماء الأجناس ؛ كثمرة وبرّة ونبقة للمبالغة ، كهي في رواية ونسّابة وفروقة؟
فصل في الدلالة من الآية
تمسّك أهل السّنّة بهذه الآية الكريمة في أن الهداية والضّلال من الله ـ تعالى ـ ؛ لأن لفظها يدلّ على المسألة ، ويدل على الدّليل العقليّ المتقدّم في المسألة وهو العلم والدّاعي ، وبيانه أن العبد قادر على الإيمان والكفر ، وقدرته بالنّسبة إلى هذين الأمرين على السّويّة ، فيمتنع صدور الإيمان عنه بدلا من الكفر ، أو الكفر بدلا من الإيمان ، إلّا إذا حصل في القلب داعية إليه ، وتلك الدّاعية لا معنى لها ، إلّا علمه أو اعتقاده أو ظنّه بكون ذلك الفعل مشتملا على مصلحة زائدة ، ومنفعة راجحة ، فإذا حصل هذا المعنى في قلبه ، دعاه ذلك إلى فعل ذلك الشّيء ، وإن حصل في القلب علم أو اعتقاد أو ظنّ بكون ذلك الفعل مشتملا على مفسدة راجحة وصور زائدة ، دعاه ذلك إلى تركه ، وثبت أن حصول هذه الدّواعي لا بدّ وأن تكون من الله ـ تعالى ـ ، وإذا ثبت ذلك فنقول : يستحيل أن يصدر الإيمان عن العبد إلّا إذا خلق الله في قلبه اعتقاد أنّ الإيمان راجح المنفعة ، زائد المصلحة ، فحينئذ يميل قلبه وترغب نفسه في تحصيله ، وهذا هو انشراح الصّدر للإيمان ، فإن حصل في القلب أنّه مفسدة عظيمة في الدّين والدّنيا ، وأنه يوجب المضارّ الكثيرة ، فحينئذ يترتّب على هذا الاعتقاد نفرة عظيمة عن الإيمان ، وهذا هو المراد من أنّه ـ تبارك وتعالى ـ يجعل صدره ضيّقا حرجا.
قالت المعتزلة (٢) : لنا ههنا مقامان :
الأوّل : في بيان أنّه لا دلالة لكم في هذه الآية الكريمة.
والثاني : التّأويل المطابق لمذهبنا.
أما المقام الأول : فتقريره من وجوه :
أحدها : أن هذه الآية الكريمة ليس فيها أنه ـ تبارك وتعالى ـ أضلّ قوما أو يضلّهم ؛ لأنّه ليس فيها إلّا أنه [متى أراد أن يهدي إنسانا ، فعل به كيت وكيت ، وإذا أراد إضلاله فعل به كيت وكيت ، وليست الآية أنّه](٣) ـ تعالى ـ يريد ذلك أو لا يريد ذلك ، ويدلّ عليه قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٧] ، فبين أنه ـ تبارك وتعالى ـ كيف يفعل اللهو لو أراده ، ولا خلاف أنّه ـ تبارك وتعالى ـ لا يريد ذلك ولا يفعله.
وثانيها : أنه ـ تعالى ـ لم يقل : ومن يرد أن يضلّه عن الإسلام ، بل قال : «ومن يرد
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٧٦ ـ ١٧٧.
(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٤٦.
(٣) سقط في أ.