قوله تعالى : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦)
«هذا» إشارة إلى ما تقدّم تقريره ، وهو أن الفعل يتوقّف على الدّاعي ، وحصول تلك الدّاعية من الله ـ تبارك وتعالى ـ فوجب كون الفعل من الله ـ تعالى ـ ، وذلك يوجب التّوحيد المحض ، وسماه صراطا ؛ لأن العلم به يؤدّي إلى العلم بالتّوحيد الحق.
وقيل : «هذا» إشارة إلى الّذي أنت عليه يا محمّد طريق ربّك ودينه الذي ارتضى لنفسه ، مستقيما لا عوج فيه وهو الإسلام.
وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ و «هذا» إشارة إلى القرآن الكريم (١).
قوله ـ تعالى ـ : «مستقيما» حال من «صراط» والعامل فيه أحد شيئين : إمّا «ها» لما فيها من معنى التّنبيه ، وإمّا «ذا» لما فيه من معنى الإشارة ، وهي حال مؤكدة لا مبيّنة ؛ لأن صراط الله لا يكون إلّا كذلك.
قال الواحدي (٢) : انتصب «مستقيما» على الحال ، والعامل فيه معنى هذا ، وذلك أن «ذا» يتضمّن معنى الإشارة ؛ كقولك : هذا زيد قائما ، معناه : أشير إليه في حال قيامه ، وإذا كان العامل في الحال معنى الفعل لا الفعل ، لم يجز تقديم الحال عليه ، لا يجوز : «قائما هذا زيد» و [يجوز] ضاحكا جاء زيد.
ثم قال تبارك وتعالى : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) أي : ذكرناها فصلا فصلا ، بحيث لا يختلط واحد منها بالآخر ، وقوله : (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ).
قال ابن الخطيب (٣) : فالّذي أظنه والعلم عند الله أنه ـ تبارك وتعالى ـ إنّما جعل مقطع هذه الآية الكريمة هذه اللّفظة ؛ لأنّه تقرّر في عقل كلّ واحد أن أحد طرفي الممكن لا يترجّح على الآخر إلّا لمرجّح ، فكأنّه ـ تبارك وتعالى ـ يقول للمعتزليّ : أيها المعتزليّ ، تذكّر ما تقرّر في عقلك أن الممكن ؛ لا يترجّح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجّح ، حتّى تزول الشّبهة عن قلبك بالكلّية في مسألة القضاء والقدر.
قوله تعالى : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٢٧)
قوله ـ تعالى ـ : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة ، فلا محلّ لها ؛ كأن سائلا سأل عمّا أعدّ الله لهم ، فقيل له ذلك ، ويحتمل أن يكون حالا من فاعل «يذّكّرون» ، ويحتمل أن يكون وصفا لقوم ، وعلى هذين الوجهين فيجوز أن تكون الحال أو الوصف الجارّ والمجرور فقط ، ويرتفع (دارُ السَّلامِ) بالفاعليّة ، وهذا عندهم أولى ؛ لأنه أقرب إلى المفرد من الجملة ، والأصل في الوصف والحال والخبر الإفراد ، فما قرب إليه فهو أولى.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٥٣).
(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٥٣.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٥٤.