وإرتكاب المجاز وإبراز ما لم يقع في صورة الواقع.
وقال الحسن البصريّ : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ؛ أي : من كونهم في الدّنيا بغير عذاب» (١) فجعل المستثنى زمن حياتهم ، وهو أبعد ممّا تقدّم.
وقال الفرّاء ـ وإليه نحا الزّمخشري (٢) ـ : «والمعنى : إلا ما شاء الله من زيادة في العذاب».
وقال غيره : إلا ما شاء الله من النّكال ، وكلّ هذا إنّما يتمشّى على الاستثناء المنقطع.
قال أبو حيّان (٣) : «وهذا راجع إلى الاستثناء من المصدر الذي يدلّ عليه معنى الكلام ؛ إذ المعنى : يعذّبون في النّار خالدين فيها إلا ما شاء الله من العذاب الزّائد على النّار ، فإنه يعذّبهم ، ويكون إذ ذاك استثناء منقطعا ؛ إذ العذاب الزّائد على عذاب النّار لم يندرج تحت عذاب النّار».
وقال ابن عطيّة (٤) : «ويتّجه عندي في هذا الاستثناء أن يكون مخاطبة للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم وأمته ، وليس مما يقال يوم القيامة ، والمستثنى هو من كان من الكفرة يومئذ يؤمن في علم الله ؛ كأنه لما أخبرهم أنه يقال للكفّار : (النَّارُ مَثْواكُمْ) استثنى لهم من يمكن أن يؤمن ممّن يرونه يومئذ كافرا ، وتقع «ما» على صفة من يعقل ، ويؤيّد هذا التّأويل أيضا قوله : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي : بمن يمكن أن يؤمن منهم».
قال أبو حيان (٥) : «وهو تأويل حسن ، وكان قد قال قبل ذلك : «والظّاهر أن هذا الاستثناء هو من كلام الله ـ تعالى ـ للمخاطبين ، وعليه جاءت تفاسير الاستثناء» وقال ابن عطيّة» (٦) ثم ساقه إلى آخره ، فكيف يستحسن شيئا حكم عليه بأنّه خلاف الظّاهر من غير قرينة قويّة مخرجة للّفظ عن ظاهره؟
قوله : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي : فيما يفعله من ثواب وعقاب وسائر وجوه المجاز ، أو كأنّه يقول : إنما حكمت لهؤلاء الكفّار بعذاب الأبد ؛ لعلمي أنّهم يستحقّون ذلك.
وقيل : «عليم» بالّذي استثناه وبما في قلوبهم من البرّ والتّقوى.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٢٩)
قوله : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي) أي : كما خذلنا عصاة الإنس والجنّ حتى استمتع بعضهم ببعض ، كذلك نكل بعضهم إلى بعض في النّصرة والمعونة وقيل : نسلّط بعضهم على
__________________
(١) انظر البحر المحيط لأبي حيان (٤ / ٢٢٤).
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٦٥.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٢٤.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٤٦.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٢٤.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٤٦.